للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وبعث بها بطريق أبوليا ليقذف بها من فوق الأسوار في معسكر هنيبال. ولما علم ذلك القائد بما حل بأخيه، وكان يحبه أشد الحب، فت في عضده، وطفئت جمرته، فسحب قواته، وكانت قد قل عديدها، إلى برتيوم Bruttium. ويقول ليفي إن "الرومان لم يشتبكوا معه في حرب في ذلك العام، وإنهم لم يجرؤا على مناوشته، وذلك لما عرف عن قواته من البسالة وإن كان ركنه قد تضعضع وأخذت الأقدار تعاكسه، وبدأ نجمه في الأفول (٢٩) ". وأرسلت إليه قرطاجنة مائة سفينة محملة بالزاد والرجال، ولكن عاصفة هوجاء ساقتها إلى سردانية فالتقت فيها بعمارة بحرية رومانية أغرقت وأسرت منها ثمانين، وانطلقت السفن الباقية عائدة إلى بلادها.

واختير سبيو الأصغر قنصلاً في عام ٢٠٥ ولما يمض على انتصاره في أسبانيا إلا وقت قصير، فجند جيشاً جديداً وأبحر به إلى إفريقية. وطلبت الحكومة القرطاجنية إلى هنيبال أن يعود إلى بلاده ليدافع عن المدينة التي ظلت زمنًا طويلاً ترفض معاونته. ترى ماذا كان شعور هذا الجندي الأعور وقد تألب عليه أعداء لا حصر لهم فساقوه إلى ركن قصي في إيطاليا، وشاهد بعينيه ما بذله من الجهد وما عاناه من المشاق خلال خمسة عشر عاماً كاملة ينتهي إلى لا شيء، وكل ما ظفر به من نصر حربي يقضي عليه فلا تكون له نتيجة إلا الفرار من الميدان؟ لقد أبى نصف جنوده أن يعودوا معه إلى قرطاجنة، ويقول بعض من يعادونه من المؤرخين إنه أمر بقتل عشرين ألفًا منهم عقاباً لهم لأنهم خالفوا أمره، ولأنه كان يخشى أن تضمهم رومه إلى فيالقها (٣٠). فلما أن وطئت قدماه أرض بلاده، بعد أن غاب عنها ستة وثلاثين عاماً بادر إلى حشد جيش جديد وسار على رأسه لملاقاة سبيو عند زاما Zama على بعد خمسين ميلاً جنوبي قرطاجنة (٢٠٢). وتقابل القائدان في بداية المعركة مقابلة ودية، فلما وجدا أن لا سبيل إلى الاتفاق بينهما أصدرا أمرهما ببدء القتال.