الطريقة المتبعة في هذا الاحتفال أن يطوف موكب بالشيء المراد تطهيره، ويقدم له الصلوات والذبائح، فيتطهر بذلك من المؤثرات السيئة ويرد عنه الشر. ولم تكن الصلوات قد خلصت كل الخلاص من الرقي السحرية؛ وكان اللفظ الذي يطلق عليها وهو كارمن Carmen يعني الأنشودة والرقية جميعاً؛ ويعترف بلني صراحة بأن الصلاة ضرب من الأقوال السحرية (١٨). وإذا ما تليت الصيغة حسب الأصول المرعية ووجهت إلى الإله الذي يجب أن توجه إليه حسب سجل الآلهة indigitamenta الذي جمعه الكهنة واحتفظوا به، فإن الرجاء لا بد أن يجاب؛ فإذا لم يجب فإن غلطة ما قد حدثت في الطقوس المرعية. وقريب من السحر وذو صلة به الفوتا vota أو النذور التي كان يطلبون بها معونة الآلهة؛ وكانت هياكل عظمية تشاد في بعض الأحيان وفاء بهذه النذور. وتوحي النذور الكثيرة التي كشفت بين مخلفات الرومان على أن الدين كان يملأ قلوبهم، وعلى أنه كان يمتزج به ويلطفه تقي وشكر على النعم، وشعور بالصلة القوية بين الناس وبين قوى الطبيعة الخفية، ورغبة أكيدة في أن يكون الناس على وفاق مع هذه القوى جميعها. هذا ما كان للدين من أثر في قلوب الشعب، أما دين الدولة فكان على النقيض من هذا، كان شكلياً جامداً، لا يعدو أن يكون نوعاً من العلاقة القانونية التعاقدية بين الحكومة والآلهة. ولما أن تسربت إلى البلاد أديان جديدة من الشرق المغلوب، كان أول ما تضعضع في الدولة الرومانية هو هذا الدين الرسمي، أما الإيمان العميق ذو المظاهر الجميلة الجذابة، والطقوس المنتشرة في الريف، فقد ظلت تقاوم الأغلال في صبر وعناد طويلين. ولما تغلب الدين المسيحي في آخر الأمر استسلم بعض الاستسلام إلى هذا الإيمان الريفي القديم فأخذ عنه كثيراً من عقائده وطقوسه، وكان ذلك الأخذ عن حكمة وأصالة رأي، ولا تزال هذه الطقوس باقية في العالم المسيحي إلى هذه الأيام، وإن تشكلت بأشكال جديدة وعبر عنها بألفاظ غير الألفاظ القديمة.