٤٣٢ ق. م لمنع الغش في الانتخابات. ويقول المؤرخون الرومان إن النزاهة السياسية قد بلغت أوجها في الثلاثة قرون الأولى من عهد الجمهورية، ولكنهم يثيرون الريبة بما يكيلونه من المدح لفالريوس كورفوس Valerius Corvus بقولهم إنه شغل واحداً وعشرين منصباً من مناصب الحكام، ثم عاد إلى حقوله فقيراً كما كان حين خرج منها؛ ولكيوريوس دنتاتوس Curius Dentatus الذي لم يحتفظ لنفسه بشيء من الغنائم التي استولى عليها من الأعداء؛ ولفابيوس بكتور Fabius Pictor ورفاقه الذين قدموا للدولة ما أعطى لهم في مصر من الهدايا الثمينة حين ذهبوا إليها في بعثة رسمية. وكان الأصدقاء يقرضون بعضهم بعضاً من غير فائدة. وكثيراً ما كانت الحكومة الرومانية تلجأ إلى الغدر في معاملتها للدول الأجنبية، ولعل الإمبراطورية كانت أشرف من الجمهورية في علاقاتها الخارجية. ولكن مجلس الشيوخ أبى أن يتغاضى عن تسميم بيرس Pyrrhus، وحذره من المؤامرة التي كانت تدبر له (٣٦). ولما أن أرسل هنيبال بعد معركة كاني عشرة أسرى إلى رومه ليفاوضوها في افتداء ثمانية آلاف أسير آخرين ووعده هؤلاء العشرة بالعودة إليه، وفوا كلهم عدا واحداً منهم بما وعدوه به، فما كان من مجلس الشيوخ إلا أن ألقى القبض على هذا العاشر وصفده بالأغلال، وأعاده إلى هنيبال، ويقول بولبيوس إن سرور هنيبال لنصره "لم يبلغ من الشدة ما بلغه حزنه حين رأى ما يتصف به الرومان من ثبات وشهامة (٣٧) ". وقصارى القول أن الروماني العادي في ذلك العهد كان محباً للنظام، محافظاً، وفياً، لا يفرط في الشراب، وقوراً بخيلاً، قاسياً، عملياً. وكان يعجب بالنظام ويسر منه ولا يستمع إلى ما يقال من الهراء عن الحرية؛ وكان مطيعاً يرى أن الطاعة خير سبيل إلى اعتياد الأمر والنهي. وكان يسلم بلا جدال بأن من حق الحكومة أن تتثبت من أخلاقه كما تتثبت من إيراده، وأن قدره عندها لا يوازن إلا بما يقدمه للدولة من خدمات، وكان لا يؤمن بالفردية ولا يثق بالعبقرية. ولم يكن يتحلى بشيء من الجاذبية،