وعشاؤه (Cena) يتكونان من البقول والخضر والفاكهة. أما السمك واللحم فكان يختص بهما الأغنياء (٣٣). وقلما كانت مائدة ما تخلو من النبيذ المخفف، أما شرب النبيذ المركز فكان يعد إفراطاً. وكانت الأعياد والولائم من المتع الضرورية في هذا العهد الرواقي، وكان العاجزون عن التمتع بها يضايقهم هذا العجز ويظهرون ما يحل بهم بسببه من إجهاد عصبي في تماثيلهم التي خلفوها لمن جاءوا بعدهم.
ولم يكن للصدقات مجال في هذه الحياة المقتصدة المتقشفة. وقد بقيت الضيافة من العادات التي يتبادلها الرومان لتيسر عليهم أسفارهم طالما كانت النزل فقيرة ومتباعدة، ولكن بولبيوس يقول "إن أحداً في رومه لا يقدم شيئاً ما لأي إنسان إذا كان ذلك الامتناع في مقدوره (٣٤) "- وما من شك أن في هذا كثيراً من المغالاة. وكان الصغار يشفقون على الكبار، ولكن الظرف والكياسة لم يصلا إلى رومه إلا في آخر أيام الجمهورية. وقد غيرت الحروب والفتوح أخلاق الرومان فجعلتهم في الغالب غلاظاً قساة إلى حد بعيد، لا يأنفون من أن يقتلوا دون أن يؤنبهم ضميرهم على القتل، وأن يقتلوا دون أن يشكوا منه. وكان أسرى الحرب يباعون في الأسواق آلافاً مؤلفة، عدا الملوك وقواد الجند فكانوا يقتلون عقب النصر أو يتركون ليموتوا موتاً بطيئاً من أثر الجوع. أما في دوائر الأعمال فكانت أخلاق الرومان خيراً من هذه الأخلاق. نعم إن الرومان كانوا يحبون المال، ولكن بولبيوس (حوالي ١٦٧ ق. م) يصفهم بأنهم رجال مجدون شرفاء؛ ويقول المؤرخ اليوناني إن أحداً لا يستطيع أن يمنع اليوناني من الاختلاس مهما كان عدد الكتبة الذين يعيشون لمراقبته، أما الرومان فكانوا يتصرفون في مبالغ طائلة من الأموال العامة ولم يثبت عليهم الاختلاس إلا في حالات جد نادرة (٣٥). على أننا رغم هذا القول نجد أن قانوناً قد صدر في عام