وكان الرجل الروماني يصطنع المهابة الصارمة (gravitas) ويراها خلة ثقيلة لا يستغني عنها الأشراف الذين يحكمون شعباً، ثم شبه جزيرة، ثم إمبراطورية. وكان ما يتصف به من رحمة وعاطفة رقيقة مقصوراً على الحياة المنزلية؛ أما في الحياة العامة فقد كان على رجل الطبقة العليا أن يكون راسخاً جافاً كتمثاله، وأن يخفي وراءَ قناع من الهدوء الصارم ما في طبعه من تهيج وفكاهة لا نراهما واضحين ساخرين في مسرحيات بلوتوس الفكهة فحسب بل نراهما كذلك في خطب شيشرون. لقد كان يطلب إلى الرومان حتى في الوقت الذي نتحدث عنه أن يعيش عيشة إسبارطية؛ فكان الرقيب يستهجن الترف في الملبس والمأكل؛ بل أن الزارع إذا أهمل زرعه كان معرضاً لأن يفاجئه الرقيب ليحاسبه على هذا الإهمال. وليس أدل على تقشف الرومان من أن السفراء القرطاجنيين حين عادوا من رومه بعد الحرب البونية الأولى أخذوا يسّلون أثرياء التجار في بلدهم بقولهم إنهم شاهدوا مجموعة بعينها من الصحاف الفضية في كل بيت دعوا إليه، أي أن مجموعة واحدة تنقل سراً من بيت إلى بيت كانت تكفي طبقة الأشراف جميعها. وكان أعضاء مجلس الشيوخ في ذلك الوقت يجلسون على مقاعد خشبية صلبة في بهو Curia لا يدفأ قط في فصل الشتاء.
بيد أن الثروة والترف قد بدءا وسارا سيراً حثيثاً بين الحربين البونيتين الأولى والثانية؛ وشاهد ذلك أن هنيبال جمع من أصابع الرومان الذين قتلوا في معركة كاني عدداً كبيراً من الخواتم الذهبية (٣٢)، وأن قوانين عدة قد وضعت لتحرم الجواهر المنقوشة، والملابس المبهرجة، والوجبات الغالية الثمن، ولكن هذه القوانين رغم تكررها ظلت عديمة الجدوى. لقد ظلت وجبات الروماني العادي حتى القرن الثالث قبل الميلاد وجبات بسيطة، فكان فطوره (ientaculum) يتكون من الخبز وعسل النحل أو الزيتون أو الجبن؛ وكان غذاؤه (prandium)