ففي ذلك الوقت سقطت تارنتم في يد الرومان، وذبح الكثير من أهلها اليونان، ولكن ليفيوس أندرينيكوس Levius Andrenicus أسعده الحظ بأن نجا من القتل وصار في عداد العبيد، ثم جيء به إلى روما فأخذ يعلم أبناء سيده وغيرهم من الأطفال اللغتين اللاتينية واليونانية، وترجم لهم الأوديسة بالشعر اللاتيني الساتورني Saturnian وهو عبارة عن أبيات ذات أوزان مفككة غير منتظمة تقاس أوتادها بالنبرات لا بالطول. ثم تحرر من الأسر جزاءً له على جهوده وعهد إليه إيديل بكتابة مأساة ومسلاة تمثلان في ألعاب (Ludi) سنة ٢٤٠ ق. م. فكتب المسرحيتين على النمط اليوناني، وأرشد ممثليهما، ومثل هو الأجزاء الهامة فيهما، وغنى ما فيهما من الأناشيد على نغمة مزمار حتى بح صوته.
ثم جاء بشخص آخر يغني الأبيات وهو يمثل - وهي طريقة اتبعت في مسرحيات كثيرة بعدهما مثلت في روما، وكان لها أثر كبير في نشأة المسرحية الصامتة المضحكة. وسرّت الحكومة أيما سرور من دخول المسرحية الأدبية في روما فكرمت أندرمكس، بأن أباحت للشعراء أن يؤلفوا اتحاداً لهم، وأن يعقدوا اجتماعاتهم في هيكل منيرفا على الأفنتين. ومن ذلك الحين جرت العادة بتمثيل مسرحيات ذات مناظر في الأعياد العامة (٤٣).
وبعد خمس سنين من هذه البداية التاريخية جاء جندي قديم من عامة الشعب ومن أهل كمبانيا يدعى كنيس نيفيوس Cnaeus Naevius فأثار غضب الأهلين المحافظين على تقاليدهم القديمة بتمثيل مسلاة سخر فيها من المفاسد السياسية التي كانت متفشية في العاصمة في أيامه، سخرية لا تقل في صراحتها عن سخرية أرسطوفان Aristophanes.
وشكت الأسر الكبيرة من هذه السخرية، فزجّ نيفيوس في السجن ثم اعتذر عن عمله هذا وأطلق سراحه، ولكنه عاد فألّف مسرحية أخرى لا تقل في سخريتها اللاذعة عن مسرحيته الأولى، أخرج على أثرها من روما. وكتب