الوسطى بخطى واسعة من البساطة الرواقية إلى التنعم والترف الطليق، وبلغ هذا التبدل أقصى مداه أو كاد في أيام كاتو (٢٣٤ - ١٤٩)؛ فاتسعت البيوت، وتناقصت الأسر، وتسابق الناس في ثأثيث دورهم بأفخم الأثاث وأغلاه ثمناً؛ فأخذوا يشترون الطنافس البابلية بأغلى الأثمان، ويبتاعون الأسرة المطعمة بالعاج أو الفضة أو الذهب؛ وكانت الأحجار والمعادن الثمينة تتلألأ على النضد والكراسي وأجسام النساء، وسروج الخيل. ولما قل المجهود الجسمي وزاد الثراء استبدل الناس بغذائهم القديم البسيط وجبات ثقيلة طويلة من لحوم الحيوان والطير وغيرهما من ألوان الطعام الشهي والتوابل والمشهيات، وأصبحت الأطعمة النادرة المستوردة من خارج البلاد لا تخلو منها موائد ذوي المكانة في المجتمع ومن يدعون أن لهم فيه مكانة. وحسبنا شاهداً على هذا الإسراف أن أحد كبار الموظفين قد ابتاع حيوانات بحرية في وجبة واحدة بألف سترس، واستورد آخر "أنشوجة" بألف وستمائة سترس للبرميل، وابتاع ثالث كمية من البطارخ بألف ومائتي سترس، وكان الطاهي الماهر يباع بأغلى الأثمان في سوق النخاسة. كذلك كان شأن الشراب، فقد انتشر وزادت مقاديره وكان لابد أن تكون الكؤوس كبيرة ومصنوعة من الذهب قدر المستطاع، وقل مقدار ما يمزج به الخمر من ماء، بل إنه كان يشرب أحياناً بلا ماء على الإطلاق. وسن مجلس الشيوخ قوانين صارمة تحدد مقدار ما ينفق من الأموال على المآدب والملابس، ولكن الشيوخ أنفسهم كانوا يتجاهلون هذه القوانين ولذلك لم يأبه بها غيرهم من الأهلين. وفي ذلك يقول كاتو في ألم وحسرة:"إن المواطنين لم يعودوا يستمعون النصح لأن البطون لا آذان لها (٩) " وأخذ الناس يشعرون بأنهم أفراد لا شأن للدولة بهم، وثاروا عليها وعلى تدخلها في شئونهم، كما ثار الابن على أبيه، وكما ثارت المرأة على الرجل.
وقد جرت العادة من قديم الزمان أن يقوي سلطان المرأة كلما زادت ثروة