غيرهم من الرومان خلال مائتي عام من تاريخ البلاد جردوا منها بلاد اليونان من روائع فنها ليكتسي بها العقل الروماني.
وطغى هذا الغزو على الفن الإيطالي فنبذ صفاته الأصلية، وطرازه الوطني واستسلم بأجمعه- إلا في شيء واحد- إلى الفنانين اليونان والى الموضوعات والأشكال اليونانية. وأقبل المثالون، والمصورون، والمهندسون اليونان إلى رومه حيث كان الذهب يتدفق في جيوبهم، وما لبثوا أن صبغوا عاصمة فاتحي بلادهم بالصبغة اليونانية. وشرع سراة الرومان يشيدون قصورهم على الطراز الروماني حول فناء غير مسقوف، ويزينونها بالعمد، والتماثيل، والصور اليونانية، وبالأثاث اليوناني. أما الهياكل فقد تحولت على مهل حتى لا تغضب الآلهة من التحول وبقي جسم الهيكل القصير والقاعدة المرتفعة للتماثيل- وهما من مميزات الفن التسكاني- القاعدة المتبعة في بناء الهياكل ونحت التماثيل. فلما أن زاد عدد الآلهة الأولمبية، رأى الرومان أن من حق تلك الآلهة أن تبني بيوتها على الطراز الهليني الرفيع. غير أن الفن الروماني قد ظل في ناحية واحدة جوهرية يعبر بوسائله الخاصة وبقوته الفذة عن الروح الإيطالية الفنية، وإن ظل يسترشد بالفن اليوناني. أما فيما عدا هذا فقد استبدل المهندسون الرومان القوس بالعارضة الراكزة على الأعمدة في الأبنية التي خلدوا بها نصرهم أو زينوا بها دورهم، وفي القنوات التي تجر الماء لدورهم وفي أبنية محاكمهم. وعلى هذا النحو شاد كاتو من الحجارة في عام ١٨٤ الدار المعروفة باسم باسلكا بورشيا Bacilica Portia، وبعد خمس سنين من ذلك العام شاد إيمليوس بولس باسلكا إيمليا Bacilica Aemilia في صورتها الأولى التي أصلحها فيما بعد أبناؤه وأحفاده جيلاً بعد جيل، وجملوها أحسن تجميل (١). وكانت الباسلكا الرومانية النموذجية
(١) وكانت الباسلكا تطبيقاً من جانب اليونان للعقود على هندسة القصور الفارسية والأبهاء المصرية ذات السقف الرتكزة على العمد. وكانت ديلوس وسرقرسة قد أقامتا مثل هذه المباني في القرن الثالث قبل الميلاد.