النظام صارماً يقوم على أبسط المبادئ. وقد جاءت تلك العبارة المنمقة اللفظ في إحدى المخطوطات:"إن للشباب ظهرا، وهو يلتفت للدرس إذا ضرب … لأن أذني الشاب في ظهره". وكتب تلميذ إلى مدرس سابق يقول:"لقد ضربت ظهري، فوصل تعليمك إلى أذني". ومما يدل على أن هذا التدريب الحيواني لم يفلح على الدوام ما جاء في إحدى البرديات التي يأسف فيها مدرس لأن تلاميذه السابقين لا يحبون الكتب بقدر ما يحبون الخمر (١٣٥).
لكن عدداً كبيراً من طلبة الهياكل تخرجوا رغم هذا على أيدي الكهنة ودخلوا المدارس العليا الملحقة بمكاتب خزانة الدولة. وفي هذه المدارس، وهي أقدم ما عرف من المدارس التي تعلم نظم الحكم، كان الكتبة يدرسون نظم الإدارة العامة، حتى إذا ما أتموا دراستهم قضوا مدة التمرين عند بعض الموظفين يعلمونهم بكثرة ما يعهدون إليهم من الأعمال. ولعل هذه الطريقة في الحصول على الموظفين العموميين وتدريبهم أفضل من الطريقة التي نتبعها نحن في هذه الأيام طريقة اختيار الموظفين على أساس أقوال الناس فيهم، واستعدادهم للطاعة والخضوع، وما يثار حولهم من دعاوى. وعلى هذا النمط أنشأت مصر وبابل في عصر واحد تقريبا أقدم ما عرف من النظم المدرسية في التاريخ (١٣٦). ولم يرق نظام التعليم العام للشبان فيما بعد إلى هذا المستوى الذي بلغه في أيام المصريين الأقدمين إلا في القرن التاسع عشر.
وكان يسمح للطالب في الفرق الراقية أن يستعمل الورق- وهو من أهم السلع في التجارة المصرية ومن أعظم النعم الخالدة التي أنعم بها المصريون على العالم. وكانت طريقة صنعه أن تقطع سوق نبات البردي شرائح وتوضع متقاطعة بعضها فوق بعض ثم تضغط ويصنع منها الورق عماد المدنية (١٣٧)، (وأعظمها سخفا). وحسبنا دليلا على حسن صنعه أن ما كتب عليه من المخطوطات منذ خمسة آلاف عام لا يزال حتى الآن باقيا متماسكا سهل القراءة. وكانت الكتب تصنع