عواطف الشعب وتعلقه بهم. على أنه لم يكن مجرداً كل التجرد من الآراء الدينية، وآية ذلك أنه أعلن في وقت ما أن روح هوميروس قد تنقلت في عدة أجساد منها جسم فيثاغورس ومنها جسم طاووس ثم استقرت في جسم إينيوس Ennius. وقد كتب تاريخاً حماسياً لرومه في صورة ملحمة كبيرة تبدأ من مجيء إينباس Aeneas إلى بيرس Pyrrhus، وقد ظلت هذه الحوليات إلى أيام فرجيل الملاحم القومية لإيطاليا؛ وبقيت منها قطع صغيرة قليلة العدد أشهرها كلها بيت لا يمل المحافظون الرومان ترديده وهو:
"قوام الدولة الرومانية أخلاقها القديمة ورجالها العظماء".
وكانت القصيدة من حيث الوزن تعد ثورة على الأوزان الشعرية القديمة. فقد استبدل فيها بالوزن المهلهل غير المنتظم الذي كان يستخدمه نيفيوس Naevius الشعر المرن السداسي الأوتاد الذي كان يستخدم في الملاحم اليونانية. وصاغ إبنيوس الشعر اليوناني في صور جديدة، وبث فيه قوة جديدة، وغمر أبياته بالأفكار، وأعده من حيث طريقته وألفاظه وموضوعه وأفكاره للكريشيس وهوراس وفرجيل. وقد توج أعماله الأدبية برسالة عن ملاذ الفم، ومات بذات الرئة في سن السبعين بعد أن ألف هذه القبرية التي يفخر فيها بنفسه:
"لا تبكوا عليّ ولا تحزنوا لوفاتي؛ فإني أبقى على شفاه الرجال وأحيا (٣٠) ".
ونحج إبنيوس في كل شيء عدا المسلاة، ولعل سبب إخفاقه أنه عني بالفلسفة عناية جدية فوق ما يجب، ونسي نصيحته التي قال فيها "يجب على الإنسان أن يتفلسف دون أن يسرف في فلسفته (٣١) ". وكان الناس يفضلون الضحك على الفلسفة وكانوا في ذلك على حق؛ وقد أغنوا بهذا التفضيل بلوتس وأفقروا إبنيوس. ولهذا السبب عينه لم تلق المآسي المسرحية شيئاً من التشجيع في رومه. نعم إن الأشراف قد أعجبوا بمآسي بكوفيوس Pacuvius وأكيوس Accius، ولكن الشعب تجاهلها والزمان لم يبق على ذكراها.