للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صعوبة في إقناع مملكتي مصر وسوريا المصطبغتين بالصبغة الهلينية بالخضوع إلى رغبات رومه- كما اضطر بوبليوس Popilius أنتيوخوس Antiochus الرابع- إلى الخضوع لها بلا قتال. وإذا نظرنا إلى تدمير قرطاجنة وكورنثه في عام ١٤٦ من الناحية الأخلاقية- وهي نظرة لها شأنها على الدوام في السياسة الدولية- حكمنا دون تردد بأن هذا العمل من أفظع الفتوح وأشدها وحشية في التاريخ كله. أما من ناحية الاستعمار وبناء الإمبراطوريات- أي من ناحية السلامة والثراء- فقد كان هذا الفتح حجر الزاوية في سيادة رومه التجارية والبحرية، فقد أضحت منذ تلك اللحظة هي المسيطرة على البحر الأبيض المتوسط، والمتصرفة في مصائره، وارتبط تاريخه بتاريخها أوثق ارتباط.

ومات في أثناء هذه الحرب من أشعلوا نارها تحوطهم هالة من النصر والفخار. فمات كاتو في عام ١٤٩، ومسينسا في عام ١٤٨، وترك الرقيب الطاعن في السن (١) أثراً عميقاً في التاريخ الروماني. وظل الناس قروناً كثيرة يرون فيه الروماني النموذجي في عصر الجمهورية، واتخذه شيشرون في كتابه De Senectute المثل الأعلى للرجال، وحاول حفيد حفيده أن يأخذ نفسه بفلسفته خالية من فكاهته، كما حاول ماركس أن يتخذه نموذجاً له ينسج على منواله، وكان فرنتو Fronto يهيب بالأدباء اللاتين أن يعودوا إلى أسلوبه البسيط الخالي من الالتواء والتعقيد. ولكنه مع ذلك لم يفلح إلا في أمر واحد وهو تدمير قرطاجنة، أما مقاومته للهلينية ومحاولته أن يمنعها من السيطرة على الحياة الرومانية فقد أخفق فيهما كل الإخفاق، واستسلمت كل نواحي الحياة الرومانية من أدب، وفلسفة، وخطابة، وعلم، ودفن، ودين، وأخلاق، وعادات، وملابس، استسلمت هذه كلها لتأثير اليونان. لقد كان كاتو يكره الفلاسفة اليونان، ولكن حفيده الشهير كان يحيط نفسه بهم، وظلت العقيدة الدينية التي فقدها هو تضمحل رغم ما بذل من الجهود


(١) يريد كاتو.