عنها شارعاً شارعاً، وإن كان الجوع قد أضناهم وأهلك الكثيرين منهم، ولكنهم واصلوا دفاعهم ستة أسابيع كاملة، وأعداؤهم يحصدونهم حصداً بلا شفقة ولا رحمة. ولما رأى سبيو أن قناصة الأعداء يصيدون رجاله وهم كامنون وراء الجدران، أمر أن تشعل النيران في كل الشوارع التي يستولون عليها، وأن تدك مبانيها دكاً، فاحترق في اللهب كثير من الجنود المختبئين في الدور. ووجد القرطاجنيون آخر الأمر أن لابد لهم من التسليم بعد أن نقص عددهم من خمسمائة ألف إلى خمسة وخمسين ألفاً. وطلب قائدهم هزدروبال أن يؤمن على حياته فأجابه سبيو إلى ما طلب، ولكن زوجته بجبنه وألقت بنفسها وبأولادها في اللهب. وبيع من بقي من الأهالي حياً في سوق الرقيق، وأسلمت المدينة إلى الجيوش الرومانية ينهبونها ويعيشون فيها فسداً. وأحجم سبيو عن تدميرها، وأرسل إلى مجلس الشيوخ يسأله رأيه الأخير، فرد عليه المجلس بأن قرطاجنة نفسها وكل ما انضم إليها في الحرب من البلاد التابعة لها يجب أن تدمر عن آخرها، وأن تحرث أرضها وتغطى بالملح، وأن تصب اللعنات على كل من يحاول بناء شيء قي موضعها، وظلت النار مشتعلة في المدينة سبعة عشر يوماً كاملة.
ولم يعقد صلح أو وقع معاهدة، لأن الدولة القرطاجنية لم يبق لها وجود، وتركت يتكا Utica وغيرها من مدن إفريقية التي ساعدت رومه حرة تحت حمايتها؛ وأما ما بقي من أملاك قرطاجنة فقد جعل ولاية خاضعة لرومه وسمي ولاية "إفريقية Africa". وجاء الممولون الرومان وقسموا الأرض ضياعاً، وورث التجار الرومان التجارة القرطاجنية، وأضحى الاستعمار العامل المحرك الدافع للسياسة الرومانية، والغرض السافر الصريح الذي تعمل له عن قصد وتدبير، وضمت سرقوسة إلى ولاية صقلية الرومانية، وأخضعت بلاد غالة الجنوبية لتكون هي الطريق البري لأسبانيا بعد أن خضعت كلها لرومه، ولم تجد رومه