للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا نظير لهما في التاريخ كله. وعرضوا أن يقدموا حياتهم فداء لمدينتهم، وتكفيراً عما عساها أن تكون قد اقترفته من الذنوب، وخروا على الأرض سجداً وأخذوا يضربونها برؤوسهم. فأجابهم القنصلان بقولهم إن هذه هي شروط مجلس الشيوخ وإنهما لا يستطيعان أن يغيرا منها شيئاً.

ولما سمع أهل قرطاجنة بما هو مفروض عليهم جن جنونهم، وطاشت أحلامهم، فأخذ آباء الأطفال الذين أسلموا رهائن إلى رومه يقطعون أجسام القواد الذين أشاروا بتسليمهم، وقتل آخرون القواد الذين أشاروا بتسليم السلاح، وأخذ غيرهم السفراء العائدين في شوارع المدينة ويرجمونهم بالحجارة، ومنهم من قتلوا كل من وجدوهم في المدينة من الإيطاليين، ومنهم من وقفوا في دور الصناعة الخالية من السلاح يبكون وينتحبون. وأعلن مجلس شيوخ قرطاجنة الحرب على رومه، وأهاب بكل من فيها من البالغين رجالاً ونساء، أرقاء وأحراراً، أن يجيّشوا جيشاً جديداً، وأن يصنعوا أسلحة يدافعون بها عن المدينة. وثبت الغضب قلوبهم، وقوى عزائمهم، وأخذوا يهدمون المباني العامة لينتفعوا بما فيها من خشب وحديد، وصهرت تماثيل الآلهة الأعزاء لتصنع منها السيوف، وجزت شعور النساء لتصنع منها الحبال، ولم يمض على المدينة المحصورة إلا شهران حتى أخرجت ٨٠٠٠ درع، ٨٠٠٠ سيف، ٧٠. ٠٠٠ حربة، وستين ألف قذيفة منجنيقية، وبنت في مينائها الداخلي عمارة بحرية مؤلفة من ١٢٠ سفينة (٤٩).

وقاومت المدينة الحصار براً وبحراً ثلاث سنين، كان القنصلان في خلالهما يهاجمان أسوارها بجيوشهما، وكانا في كل مرة يرتدان عنها خائبين. ولما كان سبيو إيمليانس وحده- وهو أحد التربيونين العسكريين- هو الذي أظهر في هذا الحصار براعة ودهاء، فقد عينه مجلس الشيوخ الروماني والجمعية قنصلاً وقائداً في عام ١٤٧، ولم يعارض في هذا التعيين أحد حتى كاتو نفسه. ولم يمض على ذلك إلا قليل حتى نجح ليليوس في تسلق أسوار المدينة. ودافع القرطاجنيون