يكدح كدحاً متواصلاً في كل يوم من شروق الشمس إلى غروبها- عدا بعض أيام الأعياد- حتى تدركه الشيخوخة. فإذا شكا أو عصى أمر حارسه ألزم أن يعمل ورجلاه مكبلتان بالأغلال، وأن يقضي الليل في جب تحت الأرض ergastulum لا تكاد تخلو منه كل ضيعة واسعة. لقد كان في هذا النظام من التلف والخسارة الاقتصادية بقدر ما فيه من الوحشية، لأنه لم يكن يعول إلا نحو جزء من عشرين جزءاً من الأسر التي كانت تعيش من قبل على هذه الأراضي نفسها معيشة الأحرار من الناس.
وإذا ذكرنا أن نصف هؤلاء الأرقاء، إن لم يكن أكثر من نصفهم، كانوا من قبل أحراراً (لأن الأرقاء قلما كانوا يشتركون في الحروب)، كان في مقدورنا أن نتصور ما يشعر به هؤلاء البائسون المحطمون من مرارة؛ ولا يسعنا إلا أن نعجب من ندرة ما كانوا يلجئون إليه من الثورات. وقد حدث في عام ١٩٦. أن ثار أرقاء الريف في إتروريا وعمالها الأحرار، ولكن الجيوش الرومانية أرهبتهم "وقتلت الكثيرين منهم أو أسرتهم، ومنهم من جلدوا أو صلبوا عقاباً لهم على فعلتهم" كما يقول ليفي (٣). وحدثت مثل هذه الثورة عام ١٨٥ في أبوليا؛ فقبض على سبعة آلاف من العبيد وحكم عليهم أن يعملوا في المناجم (٤). وكان أربعة آلاف من الأرقاء الأسبان يعملون في مناجم قرطاجنة الجديدة وحدها. وفي عام ١٣٩ شبت نار "حرب الأرقاء الأولى" في صقلية، فقد لبى دعوة إينوس Eunus أربعمائة من الأرقاء وذبحوا الأحرار من أهل مدينة أنا Enna، ثم أقبلت أفواج العبيد من الضياع ومن الأجباب الخاصة في صقلية، فضاعفوا عدد الثوار حتى بلغ سبعين ألفاً. وما لبثوا أن احتلوا أجرجتثم Agrigentum، وهزموا الجيوش الرومانية التي كانت في الولاية، واستولوا على الجزيرة كلها تقريباً،