"إن لحيوانات الأرض جحورها ولطير الهواء أوكارها ومخابئها، أما الرجال الذين يحاربون ويموتون من أجل إيطاليا فلا يستمتعون فيها إلا بالضوء والهواء. إن قواد الجيش ينادون جنودهم أن يقاتلوا دفاعاً عن قبور آبائهم وأضرحتهم، ولكن نداءهم هذا نداء سخيف باطل، إذ ليس في وسعك أن تدلهم على مذبح لآبائهم يقربون فيه لآلهتم، وليس للفقراء مقابر لأسلافهم. إنكم أيها الفقراء تقاتلون وتموتون لينعم غيركم بالثروة والترف، ويقال لكم: إنكم سادة العالم، ولكنكم لا تجدون في هذا العالم موضعاً لقدم، في وسعكم أن تقولوا إنه ملك لكم"(٧).
وأعلن مجلس الشيوخ أن هذه الاقتراحات ليست في واقع الأمر إلا مصادرة لأموال الناس، واتهم تيبيريوس بأنه يعمل ليكون طاغية حاكماً بأمره، وأقنع إكتافيوس وهو تريبون آخر أن يستخدم ما له من حق الاعتراض في منع عرض المشروع على الجمعية، فما كان من جراكس إلا أن تقدم باقتراح يقضي بأن كل تربيون يعمل ضد مصالح من يمثلهم يجب أن يسقط على الفور من عداد أعضاء الجمعية. ووافقت الجمعية على هذا الاقتراح وأَخرج حرَّاسُ تيبيريوس أكتافيوس قوة واقتداراً من قاعة الجمعية على الفور، ووافقت الجمعية بعدئذ على الاقتراحات الأصلية فأصبحت قانوناً واجب التنفيذ، ثم أوصلته محروساً إلى منزله لخوفها أن يغتاله مغتال في الطريق (٨).
غير أن تحكمه غير المشروع في حق التربيون في الاعتراض، وهو الحق الذي جعلته الجمعية نفسها من أقدم الأزمان حقاً مطلقاً غير مقيد بقيد ما، قد وضع في يد معارضيه سلاحاً يشهرونه في وجهه ويقضون به على قانونه. فجهروا بعزمهم على أن يتهموه في نهاية العام الذي يتولى فيه منصبه بالخروج على دستور البلاد واستخدم العنف ضد أحد التربيونين. وأراد تيبيريوس أن يحمي نفسه بالسخرية من الدستور مرة أخرى، وذلك بترشيح نفسه