الإيطالية؛ ولكن هؤلاء لم يكن لهم صبر على القتال، ولم تكن قلوبهم عامرة بحب رومه؛ وأخذ عدد الفارين من الجند يتضاعف على مدى الأيام، واختل النظام في الجيش وانحطت قدرة المدافعين عن الجمهورية إلى أدنى حد.
ولم تلبث أن هاجمها الأعداء، وكاد هجومهم عليها أن يكون من الشمال ومن الجنوب في وقت واحد. ذلك أن قبيلتين من قبائل الكلت وهما قبيلتا السمبريين والتيوتون انحدرت جموعها كالسيل الجارف فاخترقت ألمانيا عام ١١٣ في عربات مغطاة، وكانت عدتهم ثلاثمائة ألف من المحاربين ومعهم أزواجهم وأبناؤهم ودوابهم، وكأنهم أرادوا أن يشعروا رومه بما يتهددها من أخطار في المستقبل القريب. ولعل هؤلاء الأقوام قد ترامى إليهم من فوق جبال الألب أن رومه قد افتتنت بالثروة وكرهت الحرب. وكان القادمون الجدد طوال القامة، أقوياء البنية، شجعاناً لا يجد الخوف سبيلاً إلى قلوبهم. وكانوا بيض البشرة شقر الشعر حتى قال عنهم الإيطاليون إن شعر أطفالهم أبيض كشعر الشيوخ. والتقوا بجيش روماني في نوريا Noreia (وهي نورماكت Neumarkt الحالية في كورنثيا) وأفنوه عن آخره؛ ثم عبروا نهر الرين وهزموا جيشاً رومانياً آخر، ثم تدفقوا غرباً إلى غالة الجنوبية وبددوا شمل جيش روماني ثالث ورابع وخامس. وأسفرت معركة أروسيو Arausio (أورنج) عن قتل ثمانين ألفاً من الجيوش الرومانية النظامية، وأربعين ألفاً من المدنيين الذين يتعقبون معسكرات الجنود (١٣). وتفتحت أبواب إيطاليا بعد هذه المعارك أمام الغزاة، واستولى الرعب على رومه وكان رعباً لم تعرف له مثيلاً منذ أيام هنيبال.
وفي الوقت عينه تقريباً شبت نار الحرب في نوميديا. ذلك أن يوجورثا Jugurtha حفيد هاسنسا عذب أخاه تعذيباً انتهى بموته، وحاول أن يحرم أبناء عمه حقهم في الملك، فأعلن مجلس الشيوخ الحرب عليه في عام ١١١ لعله يستطيع أن يجعل نوميديا ولاية رومانية ويفتح أبوابها للتجارة ولرؤوس