الأموال الرومانية، واستطاع يوجورثا أن يبتاع بالمال بعض الأشراف ليدافعوا عن قضيته وعن جرائمه أمام مجلس الشيوخ، وأن يرشوا القواد الذين أرسلوا لقتاله، فعقدوا معه صلحاً مواتياً أو اكتفوا بمناوشات لا تلحق به أذى. ولما استدعى إلى رومه كان أكثر سخاء منه قبل قدومه إليها، واستطاع بذلك أن يعود إلى عاصمته دون أن تقام في سبيله العقبات (١٤).
ولم يخرج من هذه الحروب موفور الكرامة سليم الشرف إلا ضابط واحد هو جايوس ماريوس Gaius Marius. وقد ولد هذا القائد كما ولد شيشرون في أربينوم Arpinum. وكان والده عاملاً يتقاضى أجراً قليلاً، وتطوع في الجيش وهو صغير السن، وأصيب بعدة جراح في نومنتيا Numantia، وتزوج من عمة لقيصر، واختير تربيوناً رغم جهله وسوء أخلاقه أو بسبب جهله وسوء أخلاقه. ولما عاد من الخدمة العسكرية في خريف عام ١٠٨، وكان وقتئذ ياوراً لكونتس متلس Quintus Metellus القائد الضعيف العاجز في إفريقيا، اعتلى منصة للخطابة وطلب أن يختار قنصلاً بدل متلس، وقطع على نفسه عهداً إذا اختير لهذا المنصب أن يقود الجيوش الرومانية إلى النصر في الحرب اليورجورثية. فأجابه الشعب إلى طلبه، وتولى قيادة الجيش، وأرغم يوجورنا على الاستسلام له في عام ١٠٦، ولم يعلم الشعب وقتئذ أن أكبر من عمل للنصر في هذه الحرب شاب جريء من الأشراف هو لوسيوس صلا Luciuus Sulla وإن كان قد عرف منه ذلك فيما بعد. أما في ذلك الوقت فقد استمتع ماريوس بأعظم ما يستمتع به القائد المنتصر، وبلغ من حب الشعب له أن تجاهلت الجمعية نصوص الدستور المحتضر وصارت تنتخبه قنصلاً عاماً بعد عام (من ١٠٤ - ١٠٠). وناصره رجال الأعمال لأن انتصاراته قد فتحت آفاقاً جديدة لمشروعاتهم الاستغلالية من جهة، ولأنهم رأوه الرجل الوحيد الذي كان في استطاعته أن يرد حجافل الكلت من جهة أخرى. وتبينت رومه من ذلك الوقت