للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في عم قيصر منافع القيصرية- ذلك أن الدكتاتورية الممثلة في قائد محبوب من الشعب، ومن ورائه جيش مخلص له، قد بدت للكثيرين من الرومان المنهوكي القوى البديل الوحيد من المساوئ الألجركية التي تلازم الحرية.

وكانت الجحافل السمبرية بعد انتصارها في أروسيو قد أجلت زحفها على رومه، وعبرت جبال البرانس، وعاثت في أسبانيا فساداً، غير أنها عادت إلى غالة في عام ١٠١، وهي أكثر عدداً مما كانت قبل، واتفقت مع التيوتون على أن يهاجمها السهول الغنية في شمالي إيطاليا من طريقين مختلفين. ولجأ ماريوس في صد هذا الخطر المحدق بالمدينة إلى طريقة جديدة من طرق التجنيد أحدثت انقلاباً خطيراً في الجيش أولاً وفي الدولة نفسها فيما بعد. ذلك أنه دعا إلى الخدمة العسكرية كل من يشاء من المواطنين سواء كان له ملك أو لم يكن. وعرض أجوراً مغرية على المتطوعين، ووعدهم أن يطلق سراحهم وأن يقطعوا أرضاً في نهاية الحرب. وكان معظم الجيش الذي جمع بهذه الطريقة مكوناً من فقراء المدن، وكانت عواطفه معادية لجمهورية الأشراف، وكان إذا حارب لا يحارب دفاعاً عن بلاده بل يحارب في سبيل قائده ومن أجل الغنائم. وبهذه الوسيلة وضع ماريوس الأساس العسكري للثورة القيصرية، ولعله فعل ذلك على غير علم منه. وكان ماريوس جندياً لا رجلاً سياسياً، ومن ثم فإنه لم يكن يتسع وقته لتدبر العواقب السياسية البعيدة. فلما أن ألف الجيش بهذه الطريقة السالفة الذكر قاده فوق جبال الألب وقوى أجسام جنده بالسير الطويل والتدريب، كما قوى قلوبهم بالهجوم على مواقع كان من السهل التغلب عليها، وكان يرى أن من المجازفة أن يلتحم وإياهم في حرب حقيقية إلا بعد أن يتم تدريبهم على هذا النحو. ومر التيوتون بمعسكره دون أن يلقوا مقاومة ما، وكانوا يسألون الرومان ساخرين هل يريدون أن يبعثوا معهم برسائل إلى زوجاتهم اللاتي يوشك هؤلاء أن يستمتعوا بهن. وفي وسع القارئ أن يتصور عدد هؤلاء التيوتون إذا علم أنهم قضوا في مرورهم بمعسكر