النزاع بين الأشراف والعامة قوياً مريراً لا ينقصه إلا فرصة تتاح حتى يلجأ الطرفان فيه إلى أشد ضروب العنف. وكان الأشراف:"خيار الناس" optimates يستمسكون بنبلهم، ولكن لم يكن معنى استمساكهم به أن يترفعوا بسبب هذا النبل عن ارتكاب الدنايا، بل كان معناه في نظرهم أن الحكم الصالح يتطلب قصر المناصب العليا في الدولة على الذين تولوها قبله سخروا منه وسموه "رجلاً حديثاً" Novus homo أي "حديث النعمة"، وكان من هؤلاء الحديثي النعمة ماريوس وشيشرون. أما العامة فكانوا يطلبون أن تتاح الفرصة لذوي المواهب والكفايات، وأن تكون السلطة كلها في يد الجمعيات، وأن توزع الأراضي الحرة على الفقراء والجنود المسرحين. ولم يكن الأشراف ولا العامة ممن يؤمنون بالديمقراطية، بل كانت كلتا الطبقتان تسعى لأن تكون هي الحاكمة بأمرها، وتلجأ إلى ضروب الإرهاب والفساد والرشوة على ملأ الناس بلا خوف ولا وخز ضمير. واستحالت الجماعات التي كانت من قبل جمعيات خيرية لتبادل البر بين أعضائها وكالات لبيع أصوات العامة في الانتخابات كُتَلاً. وارتقت عملية ابتياع الأصوات حتى تطلبت درجة كبرى من التخصص، وطائفة من الإخصائيين، فكان منهم المشترون divisores الذين يبتاعون الأصوات، والوسطاء interpretes والحراس sequestres الذين يحتفظون بالمال حتى تعطي الأصوات (٢). وفي أقوال شيشرون وصف للمرشحين وهم يسيرون بين الناخبين في حقل المريخ وأكياس نقودهم في أيديهم (٣). واستطاع بمبي أن يحمل الناس على اختيار صديقه أفرانيوس Afranius قنصلاً بدعوة زعماء القبائل إلى حدائقه، وفيها أعطى كل زعيم أثمان أصوات قبيلته (٤). وبلغ ما كان يُستدان من المال لشراء أصوات الناخبين حداً رفع سعر فائدة الأموال التي تقترض في أثناء الحملة الانتخابية إلى ثمانية في المائة في الشهر الواحد (٥).