للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت المحاكم نفسها- بعد أن اختص بها أعضاء مجلس الشيوخ- لا تقل فساداً عن عمليات الانتخاب، وفقدت الأَيمان كل ما كان لها من قيمة في الشهادة، وفشت شهادة الزور كما فشت الرشوة. ولما أن اتُّهم ماركس مسالا Marcus Messal بأنه ابتاع بالمال الأصوات التي انتخب بها قنصلاً في عام ٥٣ برئ بالإجماع، وإن كان أصدقاؤه أنفسهم شهدوا عليه (٦) واعترفوا بجريمته (٦). وكتب شيشرون لابنه يصف هذه الحال بقوله: "لقد أصبح المال أساس كل المحاكمات، ولذلك لن يحكم على إنسان إلا في جرائم القتل" (٧)، وكان خليقاً به أن يقول "إنسان ذي مال"، "فبغير المال وبغير المحامي القدير" كما قال محام آخر في ذلك الوقت "فديتهم إنسان ساذج برئ بأية جريمة لم يرتكبها قط، ثم يحكم عليه ما في ذلك شك" (٨). ولما برئ لنتولس صوراً Lentulus Sura بأغلبية صوتين حزن أشد الحزن على ما أنفق من مال في رشوة قاض أكثر من العدد الذي كان يجب عليه أن يرشوه (٩). ولما أدان المحلفون من أعضاء مجلس الشيوخ البريتور كونتس كليدس Quintus Calidus قال "إنهم لم يكن في وسعهم مع احتفاظهم بشرفهم أن يطلبوا أقل من ثلاثمائة ألف سسترس إذا أريد منهم أن يحكموا على بريتور" (١٠).

وكان ولاة الأقاليم من أعضاء الشيوخ السابقين، وجباة الضرائب، والمرابون، ووكلاء التجار، يبتزون الأموال من الأقاليم تحت حماية هذه المحاكم ابتزازاً لو سمع به أسلافهم لغضبوا له غيرةً من هؤلاء وحسداً لهم. ولسنا ننكر أنه كان من بين حكام الأقاليم طائفة من الكفاة الأشراف، أما كثرتهم العظمى فماذا عسى أن ينتظر منها؟ لقد كانوا يعملون بلا أجور، وكانت العادة المألوفة أن يظلوا في مناصبهم عاماً واحداً، وكان عليهم في خلال هذه الفترة القصيرة أن يجمعوا من المال ما يكفي للوفاء بديونهم، وابتياع منصب جديد، وأن يضمنوا لأنفسهم فيما بعد عيشاً رغداً يليق بالروماني العظيم. ولم يكن في البلاد