للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي أقامه صلا على أشده (٨٠ ق. م) (٢٧). ثم سافر بعد قليل من ذلك الوقت إلى بلاد اليونان، ولعله سافر إليها فراراً من غضب ذلك الطاغية، وظل في تلك البلاد يدرس الفلسفة وفن الخطابة. وبعد أن قضى ثلاث سنين في أثينا هنيئاً سعيداً انتقل إلى رودس حيث استمع إلى محاضرات أبولونيوس Appollonius بن مولون Molon في البلاغة، والى محاضرات بوسيدونيوس Poseidonius في الفلسفة، وتعلم من أولهما تراكيب الجمل المتعاقبة وعفة اللفظ وهما الصفتان اللتان كان يمتاز بهما أسلوبه؛ وتعلم من ثانيهما تلك الرواقية المعتدلة التي نادى بها بعدئذ فيما كتبه من مقالات عن الدين وفن الحكم والصداقة والشيخوخة.

ثم عاد إلى رومه في سن الثلاثين وتزوج ترنشيا Terentia واستطاع ببائنتها السخية أن تشتغل بالسياسية، وعلا شأنه ونبه ذكره بعدله وحسن إدارته حين كان كوسترا في صقلية عام ٧٥ ق. م ولك عاد إلى الاشتغال بالمحاماة في عام ٧٠ ق. م وأهاج عليه طبقة الأشراف إذ قبل أن يوكل في قضية أقامتها مدن صقلية على كيوس فيرس Caius Verrs عضو الشيوخ، واتهمته فيها بأنه وهو صاحب الخراج في تلك الجزيرة (٧٣ - ٧١) كان يبيع المناصب والأحكام. ويخفض الضرائب بنسبة ما يناله من الرشا، وأنه لم يكن يبقى في سرقوسة شيئاً من تماثيلها، وأنه وهب إيراد مدينة بأكملها إلى إحدى سراريه، وأسرف في الظلم، وابتزاز الأموال والسرقات حتى غادر الجزيرة وهي أكثر خراباً مما كانت بعد حربين من حروب الرقيق. وشر من هذا كله أن فيرس قد اختص نفسه ببعض ما كان يختص به الملتزمون عادة، وناصر رجال الأعمال شيشرون في اتهاماته، أما هرتنسيوس الزعيم الأرستقراطي للمحامين الرومان فقد تولى زعامة المدافعين عن فيرس، وأجيز لشيشرون أن يقضي في صقلية حوالي مائة يوم يجمع فيها الأدلة؛ ولكنه اكتفى منها بخمسين يوماً، وعرض في خطبته الافتتاحية من الأدلة الدامغة ما جعل هرتنسيوس- وكان قد زين حدائقه ببعض ما نهبه