فيرس من التماثيل- يتخلى عن موكله. وحكم على فيرس بغرامة قدرها أربعون مليون سسترس، ففر إلى خارج البلاد، ونشر شيشرون بعدئذ الخمس الخطب الإضافية التي كان قد أعدها، وكانت كلها هجوماً عنيفاً على فساد الحكم الروماني في الولايات. وبلغ ما أحرزه من تأييد الشعب بجده وشجاعته أنه حين رشح نفسه للقنصلية في عام ٦٣ ق. م انتخب بحماسة بالغة منقطعة النظير.
وكان شيشرون من أبناء طبقة الفرسان، ولذلك كانت ميوله بطبيعة الحال مع الطبقة الوسطى، وكانت تشمئز نفسه من كبرياء الأشراف ويستنكر امتيازاتهم سوء حكمهم، ولكنه كان يخشى أشد خشية أولئك الزعماء المتطرفين، فقد كان يرى أن منهجهم، بوضعه أزمة الحكم في أيدي الغوغاء، يعرض الملكية لأشد الأخطار. ولهذا كانت الخطة السياسية التي وضعها لنفسه حين تولى الحكم أن يقيم "حلفاً من الطبقات"- أي تعاوناً بين الأشراف ورجال الأعمال، يحول دون عودة تيار الثورة الجارف.
على أن أسباب التذمر وقواه كانت أعمق وأكثر من أن يقضي عليها بسهولة، فقد كان كثيرون من الفقراء يستمعون إلى الخطباء ينادون بوجوب قيام دولة مثالية، وكان بعض من يستمعون إليهم على استعداد لأن يستخدموا أساليب العنف في تحقيقها. وكان يعلو عن هؤلاء قليلاً جماعات من العامة خسروا أملاكهم لعجزهم عن أداء ما عليها من رهون. وكان بعض جنود صلا القدامى قد عجزوا عن استغلال أراضيهم استغلالاً مربحاً، وكانوا مستعدين للاشتراك في أي اضطراب يتيح لهم فرصة لانتهاب المال بلا كد. وكان بين الطبقات العليا طائفة من المدنيين المفلسين العاجزين عن أداء ديونهم، والمضاربين الذين فقدوا كل أمل أو رغبة في الوفاء بالتزاماتهم، ومنهم من كانت لهم مطامع سياسية ولكنهم وجدوا سبل الرقي تسدها عليهم طائفة من المحافظين طالت آجالهم فوق ما ينبغي لها أن تطول. وكان إلى جانب هؤلاء كلهم عدد قليل من الثوار المخلصين لمثلهم العليا الذين