روماني للقضاء على قوة كاتلين. ووعد مجلس الشيوخ أن يعفو عن كل رجل يترك صفوف الثوار، وأن يمنحه فوق ذلك مائتي ألف ستسرس. ولكن "أحداً لم يفر من معسكر كاتلين" على حد قول سلست. ودارت رحى القتال بين الجيشين في سهول بستويا Pistoia (٦١) . وقاتل الثوار، وكانوا ثلاثة آلاف رجل، قتال الأبطال، ودافعوا عن أعلامهم- نستور ماريوس- العزيزة عليهم إلى آخر رجل منهم رغم ما كانوا عليه من قلة بالنسبة لأعدائهم. ولم يستسلم واحد منهم أو يفر من الميدان، بل ماتوا جميعاً في المعركة كما مات بينهم كاتلين نفسه.
وإذ كان شيشرون من رجال الفكر لا من رجال العمل، فقد أدهشه وأثر فيه ما أظهره من المهارة والشجاعة في القضاء على هذه الفتنة الصماء. ومن أقواله في مجلس الشيوخ:"إني ليخيل إليّ أن تدبير هذا العمل العظيم يتطلب حكمة فوق حكمة الآدميين"(٤٥) وشبه نفسه برميولوس، ولكنه قال إن حفظ رومه أعظم من تشييدها (٤٦).
وتبسم الشيوخ وكبار الموظفين ضاحكين من قوله، ولكنهم كانوا يعلمون أنه هو الذي أنجاهم، وهتف له كاتو وكاتلس ولقباه بأبي الوطن Pater Patriae. ويحدثنا هو عن نفسه بقوله إنه لما اعتزل منصبه في عام ٦٣ ق. م قدمت له جميع الطبقات ذوات الأملاك شكرها، ولقبته بالرجل الخالد، وسارت من حوله إلى بيته (٤٧). ولم يشترك صعاليك المدينة في هذه المظاهرة، ذلك أنهم لم يغفروا له اعتداءه على قوانين رومه بقتله المواطنين دون أن يتيح لهم فرصة استئناف حكم الإعدام، وأحسوا بأنه لم يحاول قط إزالة أسباب ثورة كاتلين أو تخفيف أعباء الفقر عن جمهرة الشعب، ومنعوه أن يخطب في الجمعة في آخر يوم من حكمه، وكانوا يستمعون له وهم غضاب حين أقسم أنه قد حافظ على المدينة. والحق أن الثورة لم ينقض عهدها في ذلك الوقت بل اندلعت نيرانها فيما بعد حين أصبح قيصر قنصلاً.