بالفاقة والحرمان، وأصبحنا سخرية للساخرين- كل الذي يدفعنا إلى ما نحن فاعلوه هو رغبتنا في أن نحمي أنفسنا من الظلم. وأما المال وأما السلطان، وهما أكبر أسباب النزاع بين بني الإنسان، فلا مأرب لنا فيهما، بل كان الذي نطلبه هو الحرية، ذلك الكنز الذي لا يفرط فيه الإنسان إلا حين يسلم الروح. وإنّا لنتوسل إليكم أيها الشيوخ أن تستشعروا الرحمة على بني وطنكم المعذبين (٤٤)!.
وخطب شيشرون في اليوم الثاني خطبة وصف فيها أتباع منافسه العاصي بأنهم طائفة ملتفة حول عصبة من الضالين المارقين المتعطرين، وأطلق العنان لعبقريته فاخترع كل ما أسعفته به من سخرية وسباب، وختم خطبته مرة أخرى بنغمة دينية. وعرض على مجلس الشيوخ في الأسابيع التالية ما زعم أنه براهين تثبت أن كاتلين قد حاول أن يشعل نار الثورة في بلاد الغاليين، وأفلح في اليوم الثالث من ديسمبر أن يقنع أولي الأمر بالقبض على لنتولس، وسثيجس وخمسة غيرهما من أتباع كاتلين. وصرح في خطبة ثالثة له بالجريمة التي ارتكبوها، وأعلن أنهم قد زجوا في السجن، وأبلغ المجلس والشعب أن المؤامرة قد أخفقت، وأن في وسعهم أن يعودوا إلى بيوتهم آمنين مطمئنين. وفي اليوم الخامس من ديسمبر دعا مجلس الشيوخ إلى الاجتماع وسأله عما يفعله بالمعتقلين، فاقترح سلانوس أن يقتلوا، وأشار قيصر أن يكتفي بسجنهم، وذكر الشيوخ بأن قانون سمبرونيوس يحرم إعدام المواطن الروماني. ونصح شيشرون في خطبة له رابعة أن يعدموا، وكان في هذه المرة رقيقاً في نصحه، غير عنيف في عرضه. وأيد كاتو بفلسفته هذا الرأي، ورجحت كفة القائلين بالإعدام. وحاول بعض الشبان من الأشراف أن يغتالوا قيصر وهو خارج من قاعة المجلس ولكنه نجا من شرهم.
وذهب شيشرون ومعه رجال مسلحون إلى السجن الذي كان فيه المعتقلون، وهناك نفذ الحكم على الفور، ثم أرسل ماركس أنطونيوس زميل شيشرون في القنصلية، ووالد ماركس أنطونيوس الذائع الصيت- أرسل على رأس جيش