وينصح الشباب المتعطش لإشباع شهواته بأن يسد مطالب الجسد بالاختلاط الجنسي الهادئ الطليق (٢). وكان يجد في الغابات والحقول، وفي النبات والحيوان، وفي الجبال والأنهار والبحار، كان يجد في هذه كلها بهجة لا يعادلها إلا شغفه بالفلسفة. وكان مرهف الحس سريع التأثر كوردسورث Wordsworth، قوي الإدراك مثل كيتس Keats، توحي إليه المدرة أو ورقة الشجرة، كما توحي لشلي Shelley، علم ما وراء الطبيعة. وكان لجمال الطبيعة ورهبتها وكل ما يتصل بهما أثره فيه، فكانت تحرك عواطفه صور الأشياء وأصواتها، ورائحتها ومذاقها؛ وكان يحس بصمت المرابض الخفية، وسدول الليل الهادئ، وطلوع النهار المتثاقل. وكان كل شيء طبيعي أعجوبة الأعاجيب في نظره- ماء ينساب على مهل، ونبات يخرج من البذور، وتغير دائم في الجو، ونجوم في السماء ثابتة لا تحول، وكان يرقب الحيوانات في شغف وعطف، ويحب ما فيها من صور القوة والجمال، ويحس بآلامها، ويعجب من فلسفتها التي لا تعبر عنها الألفاظ. ولم ير قبله شاعر عبر عن جلال العالم وما حواه من تباين دقيق وقوة متناسقة ملتئمة، بمثل ما عبر عنه هو. فهنا كسبت الطبيعة في آخر الأمر معاقل الأدب، وأفاضت على شاعرها قدرة على الوصف لم يفقه فيهما إلا هومروس وشكسبير.
وما من شك في أن هذه الروح الحساسة التي تستجيب إلى ما حولها من المؤثرات قد تأثرت تأثراً عميقاً بخفايا الدين ومظاهره الخلابة، ولكن الدين القديم الذي كان فيما مضى دعامة قوية لكيان الأسرة والنظام الاجتماعي قد فقد ما كان له من سيطرة على الطبقات المتعلمة في رومه، فقد كان قيصر مثلاً يبتسم في لطف وهو يمثل دور الكاهن الأكبر، كما كانت مآدب الكهنة متعة الأبيقوريين الرومان. وكان من الأهلين أقلية صغيرة تكفر بالآلهة الرومانية جهرة، وكان بعض الساسة الرومان يقوم بالليل ويحطم أصنام الآلهة، كما كان يفعل ألقبيادس Alcibiades في أثينا (٣). أما الطبقات الدنيا فإن الطقوس الرسمية لم تعد تلهم