إن علمنا بكاتلس لأوفى من علمنا بمعظم شعراء الرومان لأنه يكاد في جميع الأحوال يتخذ من نفسه موضوعاً لشعره؛ وإن هذه الصرخات الغنائية، صرخات الحب والكره، لتكشف عن نفس رحيمة حساسة قادرة على أن تكون ذات عواطف كريمة حتى للأهل والأقارب؛ ولكن الذي لا يسرنا منه أنه يجعل نفسه على الدوام موضوع شعره، ويتعمد الفحش في القول، ويقسو على أعدائه فينشر على الناس أخص خصائصهم، ويشنع على ميلهم للواط، وعلى رائحة أجسامهم النتنة، ويقول عن واحد منهم إنه يغسل أسنانه بالبول متبعاً في ذلك عادة أسبانية قديمة (٤٠)، ويقول عن آخر إنه أبخر إذا فتح فاه مات في ذلك كل من حوله (٤١). فهو والحالة هذه يتذبذب في غير عناء بين الحب والقذارة، يقبل ويلوط، وينافس مارتيال Martial في قيادة الناس إلى أقذار رومه ومباذلها في أركان شوارعها. ويمثل ما يتصف به معاصره وأبناء طبقته من مزيج بين خشونة البداوة ورقة الحضارة، كأن الرومان المتعلمين مهما برعوا في آداب اليونان لم يستطيعوا قط أن ينسوا الإسطبلات والمعسكرات. ويدافع كاتلس عن نفسه بمثل ما يدافع به مارتيال فيقول إنه لابد له أن يمزج أبياته الشعرية بالأقذار لكي يسترعي بها انتباه مستمعيه.
على أنه قد كفر عن هذه السيئات بما كان يبذل من العناية الفائقة في الوصول بشعره إلى درجة الكمال. ففي أبياته الإحدى عشرية الأوتاد من الجمال الطبيعي غير المتكلف ما تعجزه عنه صنعة هورامس وتكلفه، وما يسمو في بعض الأحيان فوق أناقة فرجيل نفسه، وقد كلفه إخفاء فنه كثيراً من التفنن. وكثيراً ما يشير كاتلس إلى ما كان يعانيه من الجهد المؤلم والعناية الشديدة اللذين جعلا شعره سريع الفهم بين السهولة. وقد يسر له بلوغ هذه الغاية ما كان يعرفه من مفردات اللغة فقد كان يصوغ الألفاظ التي يتداولها الناس شعراً رقيقاً. وقد أغنى الآداب اللاتينية بألفاظ التصغير الرقيقة، كما أغناها بلغة الحانات الدارجة.