للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى بيثينيا Bithynia، ولكنه لم يحقق ما كان يرجوه فيها من استعادة نشاطه وماله. ثم خرج عن طريقه يوماً من الأيام ليبحث عن قبر أخ له مات بجوار طروادة، وادى لهذا الأخ الميت في خشوع مراسم الدفن التي يؤديها الأبناء لآبائهم، ثن أنشد بعدئذ بقليل أبياتاً رقيقة من الشعر أضحت بعض ألفاظها من الأقوال الخالدة:

أيها الأخ العزيز لقد تنقلت في كثير من الدول وجبت البحار.

وجئت لأقدم لك هذا القربان المحزن.

وأهدي إليك آخر ما يهدي إلى الأموات.

فتقبل هذه الهدايا التي تبللها دموع الأخوة؛

ووداعاً يا أخي إلى أبد الدهر.

وبدل مقامه في آسيا حاله، وهدأ من طبعه، وأثرت أديان الشرق القديمة واحتفالاته في هذا المتشكك الذي وصف الموت من قبل بأنه "سبات الليل الأبدي"، فوصف في "أتيس" Atys وهي أعظم قصائده كلها وأعذبها لفظاً وأوضحها تصويراً عبادة شيبيل Cybele وصفاً رائعاً قوياً، وامتلأت نفسه حمية وحماسة وهو يقرأ عويل عبادها الذين يضحون من أجلها برجولتهم، وحزنهم على متع الصبا وأصدقاء الشباب. وقد قص في قصيدته "بليوس وثيتس Peelus and Thetis" قصة بليوس وأردياني Ariadne في شعر سداسي الأوتاد حلو النغم لا يكاد يجاريه شعر فرجيل نفسه. وابتاع بعدئذ في بلده أمستريس Amastris يختاً صغيراً طاف به البحر الأسود وبحر الأرخبيل والبحر الأدرياوي وسار به صعداً في نهر البو Po حتى وصل إلى بحيرة جاردا Garda والى بيته في سرميو Sirmio.

وهنا أخذ يسأل نفسه قائلاً: "وهل ثمة سبيل للفرار من متاعب فوق فرشنا من أن نعود إلى مواطننا الأولى ومعابدنا، وأن نستريح فوق فرشنا المحبوبة؟ " (٣٩) إن الناس يبدأون حياتهم بالبحث عن السعادة ثم يقنعون آخر الأمر بالسلام.