حده ينقلب إلى ضده .. وذلك لأن العامة التي ليس لها حاكم يسيطر عليها تختار من بينها في العادة زعيماً يقودها .. وهو إنسان جرئ لا ضمير له .. يسعى لنيل رضاء الناس بما يعطيهم من أموال غيرهم. ولما كان هذا الرجل يخشى أشد الخشية أن يظل فرداً كغيره من الأفراد فإنهم يخلعون عليه حماية المنصب العام، ويجددون له هذه الحماية على الدوام، فيحيط نفسه بحرس مسلح، وينتهي به الأمر إلى أن يصبح طاغية يستبد بالشعب الذي حباه القوة والسلطان (٦٨).
ولكن قيصراً رغم هذا نال بغيته، ورأى شيشرون أن خير ما يفعله هو أن يكظم غيظه ويرفه عن نفسه بالقول المعاد في القانون، والصداقة، والمجد، والشيخوخة، وبأن "القوانين تلتزم الصمت في أيام الحرب" Silent lege enter arma على حد قوله هو نفسه. على أنه كان في وسعه على الأقل أن يستسلم للتفكير في فلسفة القانون، وقد عرفه كما عرفه الرواقيون بأنه "التفكير الصحيح المتفق مع الطبيعة"(٦٩) أي أن القانون يعمل لجعل الصلات التي تنشأ من دوافع الناس الاجتماعية صلات منظمة مستقرة. وفي ذلك يقول إن "الطبيعة قد غرست في نفوسنا الميل إلى حب الناس"(المجتمع)، "وهذا هو أصل القانون"(٧٠) ويرى شيشرون أن الصداقة يجب ألا تقوم على المنافع المتبادلة بل على المصالح المشتركة التي تدعمها، وتحدوها الفضيلة والعدالة، وأن قانون الصداقة هو "ألا يطلب الإنسان إلى صديقه أن يعمل أشياء غير شريفة، وألا يعملها هو إذا طلب إليه عملها (٧١)، وعنده أن الحياة الشريفة هي خير ضمان للشيخوخة السارة، وأن الاستهتار والإسراف في أيام الصبا يتركان الشيخوخة جسماً والعقل منهوكا قبل الأوان. أما الحياة التي تقضي على خير وجه فقد يبقى الجسم والعقل فيها سليمين حتى يبلغ المرء مائة من السنين، ولنضرب لذلك ماسينسا Masinassa. والانكباب على الدرس قد يجعل الإنسان "يغفل عن اقتراب الشيخوخة منه خفية (٧٢). والشيخوخة أمجادها كما للشباب أمجاده- ففيها الحكمة المتسامية،