الأشراف قد أظهروا بعملهم هذا كثيراً من الهاء وحصافة الرأي، فقد كانوا يعرفون أن قيصر سيرشح نفسه لمنصب القنصلية، وأن القانون ينص على ألا يرشح لها من كان غائباً عن البلاد، وأن من يقام له احتفال بالنصر يحب أن يظل بحكم القانون بعيداً عنها إلى يوم الاحتفال- وحرص مجلس الشيوخ على أن يحدده بعد موعد الانتخاب. ولكن قيصر استبق يوم الاحتفال بنصره، ودخل المدينة وأدار المعركة الانتخابية بجد ومهارة عجز معارضوه عن مقاومتها.
وكان سبب نجاحه مهارته في ضم بمبي إلى قضية الحرية. وكان بمبي قد عاد تواً من بلاد الشرق بعد أن قام فيها بسلسلة من الأعمال الحربية والسياسية المجيدة، فقد طهر البحر من القراصنة، وأمن بذلك سبل التجارة في البحر الأبيض المتوسط، وأعاد الرخاء إلى المدن التي كان رخاؤها يعتمد على هذه التجارة. وكان قد أرضى أصحاب المال في رومه بفتح بيثينيا وبنتس وسوريا، وكان قد خلع ملوكاً وأجلس على العرش آخرين، وأقرضهم الأموال من غنائمه الحربية بفوائد باهظة، وقبل رشوة كبيرة من ملك مصر الذي دعاه إلى القدوم إليها لإخماد فتنة اندلع لهيبها في تلك البلاد. ثم عاد فامتنع ما اتفق عليه بحجة أنه عمل غير مشروع (٩)؛ ونشر لواء السلام في ربوع فلسطين وجعلها ولاية خاضعة لنفوذ رومه، وأنشأ تسعا وثلاثين مدينة جديدة، وأقر حكم القانون والنظام والسلام. وقصارى القول أنه كان قد سلك قبل ذلك الوقت مسلك السياسي الحكيم والحاكم القدير وأن مسلكه عاد على البلاد بالمال الوفير. فلما رجع إلى رومه حمل إليها ثروة عظيمة من الضرائب، والخراج، والبضائع التي غنمها في حروبه، ومن الأموال التي افتدى بها الأرقاء أو بيعوا بها، فاستطاع بذلك أن يعمر خزانة الدولة بمائتي مليون سسترس، وأن يضمن لها إيراداً سنوياً قدره ثلاثمائة وخمسون مليوناً، وأن يوزع على جنوده ثلاثمائة وأربعة وثمانين مليوناً، وأن يستبقي لنفسه رغم هذا كله من المال ما ينافس به كراسس فيكون أحد رجلين هما أغنى أغنياء رومه.