علنا على اعتبار أنهم من مواد الطعام (١٨)، وأما في جزيرة بريطانيا الجديدة فقد كان اللحم البشري يباع في دكاكين كما يبيع القصابون اللحم الحيواني اليوم؛ وكذلك في بعض جزر سليمان كانوا يسمنون من يقع في أيديهم من الضحايا البشرية- وخصوصاً النساء- ليولموا بلحومهم الولائم كأنهم الخنازير (١٩)؛ وكان الفويجيون ينزلون النساء منزلة أعلى من الكلاب لأن "الكلاب كان مذاقها رديئا" كما كانوا يقولون؛ ولما مر "بيير لوتي" بجزيرة تاهيتي، أخذ رئيس كهل من رؤساء البولينزيين يشرح له طعامه فقال:"إن مذاق الرجل الأبيض إذا ما أُحسن شواؤه كمذاق الموز الناضج" أما الفيجيون فلم يعجبهم لحم البيض زاعمين أنه زائد في ملحه عما ينبغي، وقوي الألياف، فالبحار الأوربي إذا ما وقع لهم كاد في رأيهم ألا يصلح للطعام، وعندهم أن الرجل من بولينزيا ألذ طعما (٢٠).
فما أصل هذه العادة؟ ليس هنالك ما يثبت قطعاً أنها نشأت- كما ظن الناس من قبل- بسبب قلة في أنواع الطعام الأخرى، ولو كان ذلك كذلك إذن فقد بقى التلذذ بمذاق اللحم البشري بعد زوال القحط في مواد الطعام الأخرى، لأن العادة قد تكونت وأصبحت مما يستميل الأكل (٢١) وهاهي ذي الطبيعة، أرسل فيها تَرَ الدم البشري طعاماً شهياً لا يُقدم عليه اللاعق في جزع قط، حتى النباتيون البدائيون كانوا سرعان ما يعتادونه بشغف عظيم؛ ولطالما شرب أهل القبائل دم الإنسان، مع أنهم يكونون في غير هذا الظرف رقيقي القلوب كرام النفوس- يشربونه تارة باعتباره دواء؛ وطوراً باعتباره شعيرة دينية أو وفاء بعهد، ويشربونه عادة على عقيدة منهم أنه سيضيف إلى الشارب القوة الحيوية التي كانت للمأكول (٢٢). ولم يكن أحد ليشعر بشيء من الخجل في إيثاره للحم البشري، والظاهر أن البدائيين لم يكونوا يفرقون في حكمهم الأخلاق بين أكل الإنسان وأكل الحيوان، بل أنه لمدعاة للفخار في ميلانيزيا أن يدعو