للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعرفون أكثر مما عنوا بإذاعته بين شعب كانت خدماته عظيمة القيمة لحكامه. وكان الكهنة يرون أن دراساتهم الفلكية من العلوم السرية الخفية التي لا يحبون أن يكشفوا أسرارها للسوقة من الناس (١٧٢). وظلوا قروناً طويلة متتالية يتتبعون مواقع الكواكب وحركاتها حتى شملت سجلاتهم في هذه الناحية آلاف السنين. وكانوا يميزون الكواكب السيّارة من النجوم الثوابت، وذكروا في فهارسهم نجوماً من القدر الخامس (وهي لا تكاد ترى بالعين العادية) وسجلوا ما ظنوه أثر نجوم السماء في مصائر البشر. ومن هذه الملاحظات أنشأوا التقويم الذي أصبح فيما بعد من أعظم ما أورثه المصريون بني الإنسان.

وبدأوا تقسيم السنة إلى ثلاثة فصول في كل واحد منها أربعة شهور، أولها فصل ارتفاع النيل وفيضه وانحساره، وثانيها فصل الزرع، وثالثها فصل الحصاد. وكانت عدة كل شهر من شهورهم ثلاثين يوما لأن هذا العدد هو أقرب الأعداد السهلة إلى طول الشهر القمري الذي يبلغ تسعاً وعشرين يوماً ونصف يوم. وكان لفظ الشهر في لغتهم كما هو في اللغة الإنجليزية مشتقاً من رمزهم للقمر (١).

وكانوا يضيفون بعد آخر الشهر الثاني عشر خمسة أيام حتى تتفق السنة في الحساب مع فيضان النهر ومع مواقع الشمس (١٧٤). واختاروا لبدء السنة اليوم الذي يصل فيه النيل عادة إلى أقصى ارتفاعه والذي كانت فيه الشعرى العظيمة (وكانوا يسمونها سوثيس) تشرق مع الشمس في وقت واحد. ولما كان التقويم المصري يجعل السنة ٣٦٥ يوما بدل ٣٦٥ وربع، فإن الفرق بين شروق الشعرى وشروق الشمس وهو الذي كان في أول الأمر صغيراً لا يكاد يدرك قد ازداد حتى


(١) لقد كانت الساعة المائية معروفة عند المصريين من زمن بعيد، ومن أجل هذا كانوا يعزون اختراعها إلى تحوت إلههم المتعدد الكفايات. وأقدم الساعات الموجودة لدينا يرجع عهدها إلى أيام تحتمس الثالث، وهي الآن في متحف برلين. وتتكون من قضيب من الخشب مقسم ستة أقسام تمثل ست ساعات وفوقه قطعة مستعرضة وضعت بحيث يدل ظلها الواقع على القضيب على الساعة قبل الظهر أو بعده. وكانوا يضيفون بعداً آخر