لم يكن قد كمل استعداده هو لها، فهزم وقتل في ميدان القتال، ولم يندم عند وفاته على ما أصابه بل ندم أشد الندم على ما ألحقه من الأذى بقيصر.
وكان قيصر في هذه الأثناء قد سار على رأس جيش إلى أسبانيا وكان غرضه من هذا الزحف أن يضمن عودتها إلى تصدير الحبوب إلى إيطاليا، وأن يحول بينها وبين الهجوم على مؤخرته حين يزحف لملاقاة بمبي، وارتكب في إيطاليا كما ارتكب في غالة عدة أغلاط عسكرية فنية (٣٢)، كانت عاقبتها أن تعرض جيشه- الذي كان أقل من جيش أعدائه عدداً- للهزيمة وللهلاك جوعاً. ولكنه أنجاه وأنجى نفسه، كمألوف عادته، بسرعة خاطره وشجاعته (٣٣)، فقد حول مجرى أحد الأنهار واستحال الحصار الذي كان مضروباً عليه حصاراً على أعدائه، وظل صابراً زمناً طويلاً حتى يستسلم له الجيش المحاصر وإن كان جنوده قد ملوا الانتظار طويلاً يطالبون بالهجوم على العدو. ثم استسلم أنصار بمبي آخر الأمر وخضعت أسبانيا كلها إلى قيصر (أغسطس سنة ٤٩). وعاد بعدئذ إلى إيطاليا براً، ولكنه وجد الطريق مغلقاً في وجهه عند مرسيليا، وقد وقف أمامه جيش يقوده لوسيوس دمتيوس Lucius Domitius وهو القائد الذي أسره في كورفنيوم ثم أطلق سراحه. واستولى قيصر على المدينة بعد أن حاصرها حصاراً شديداً، ثم أعاد تنظيم الإدارة في غالة، ولم يحل شهر ديسمبر حتى عاد ظافراً إلى رومه.
وقوت هذه الحملات مركزه السياسي، كما طمأنت البطون المتخوفة في العاصمة على كفايتها من الطعام، فلم يمانع مجلس الشيوخ وقتئذ في أن يعينه دكتاتوراً. ولكن قيصر تخلى عن هذا اللقب بعد أن اختير أحد القنصلين في عام ٤٨ ق. م. ولما وجد أزمة النقد مستحكمة في إيطاليا، لأن اختزان النقود قد سبب انخفاض الأثمان، وأبى المدينون أن يؤدوا بالنقود الغالية ما استدانوه بالنقود الرخيصة- لما وجد هذا أصدر قراراً