بالعفو عن مقاومتهم لمن حرمهم هذا السلطان، وليس عفوك عمن عنك بأقل صعوبة عمن آذيته. ومصداق هذا أن الأشراف في مجلس الشيوخ الذي لم يكن يجرؤ على رفض المقترحات التي عرضها عليه قيصر حسب الأصول الدستورية أخذوا يتبرمون وينددون تنديد الوطنيين الصادقين بالقضاء على الحرية التي أتخمت بالمال خزائنهم، وعز عليهم أن يقروا بأن عودة النظام تتطلب التضحية ببعض حريتهم. وقد روعهم وجود كليوبطرة وقيصريون في رومه. نعم إن قيصر كان يعيش مع زوجته كلبيرنيا وإنهما كانا يتبادلان المحبة في الظاهر، ولكن من ذا الذي يعرف- ومن ذا الذي تطاوعه نفسه على ألا يذيع- ما كان يحدث في أثناء زياراته الكثيرة للملكة العظيمة الجميلة؟ وأكدت الشائعات أنه يريد أن ينصب نفسه ملكاً، وأن يتزوج كيلوبطرة، وأن ينقل عاصمة دولتهما المتحدة إلى بلاد الشرق. ألم يأمر بأن يقام له تمثال على الكبتول بجوار تماثيل ملوك رومه الأقدمين؟ - ألم تطبع صورته على النقود الرومانية؟ وهي وقاحة لم يسبق لها نظير. ألم يلبس جلابيب أرجوانية من اللون الذي كان يحتفظ به عادة للملوك؟ لقد حاءه القنصل أنطونيوس يوم عيد لبركاليا في الخامس عشر من فبراير عام ٤٤ عاري الجسد إلا من جلود الماعز التي كان يلبسها الكهنة في ذلك العيد (١) ثملاً من كثرة ما احتسى من الخمر، وحاول ثلاث مرات أن يضع التاج الملكي على رأس قيصر؛ ورفضه قيصر في المرات الثلاث. ولكن ألم يكن سبب هذا الرفض أن الجماهير قد أبدت غضبها من هذا العمل وإن أبدته همساً؟ ألم يقص التربيونين عن منصبيها لأنهما رفعا عن تمثاله الإكليل الملكي الذي وضعه عليه أصدقاؤه ولما أقبل عليه الشيوخ وهو جالس في هيكل فينوس لم يقم واقفاً لاستقبالهم. وقال بعضهم إنه قد أقعدته وقتئذ نوبة صرع، وقال غيرهم إنه كان يشكو إسهالاً شديداً، وإنه ظل جالساً حتى لا تتحرك أمعاؤه في هذه اللحظة غير
(١) انظر ما قلناه عن الأعياد في الفصل الثاني من الباب الرابع.