الذي انتزع السلم من بين أنياب الحرب. وفي مساء ذلك اليوم نفسه أولم وليمة عشاء لكاسيوس. وعاد مجلس الشيوخ إلى الانعقاد في اليوم الثامن عشر وأقر وصية قيصر، ووافق على أن يحتفل بجنازته احتفالاً عاماً، واختار أنطونيوس ليؤبنه التأبين المألوف.
وفي اليوم التاسع حصل أنطونيوس من العذارى الفستية على وصية قيصر، وكان قد أودعها عندهن، وقرأها لجماعة صغيرة في بادئ الأمر ثم لجماعة أخرى أكبر من الأولى عدداً. وقد جاء فيها أنه يوصى بجميع أملاكه الخاصة لثلاثة أحفاد أخوته (وكان ذلك مثار دهشة أنطونيوس وغضبه) وسمي واحداً منهم بالذات وهو كيوس أكتافيوس متبناه ووريثه. وجعل الدكتاتور حدائقه متنزهاً عاماً للشعب، وأوصى لكل مواطن في رومه بثلاثمائة سسترس. وسرعان ما انتشر نبأ هذا الإحسان في جميع أنحاء المدينة، ولما جئ في اليوم العشرين من الشهر بجثة قيصر إلى السوق العامة، بعد أن حنطت في بيته، لإجراء المراسم النهائية احتشد حولها جمع غفير من الناس ومن بينهم جنود قيصر القدامى ليكرموه. ويظهر أن أنطونيوس قد تحدث إلى هذا الجمع في بادئ الأمر بحيطة فلم يطلق للسانه العنان، ولكن عواطفه المكبوتة لم تلبث أن تغلبت عليه فأطلقت لسانه وأكسبت ألفاظه فصاحة أيما فصاحة. ولما رفع من النعش العاجي الثوب الممزق الملطخ بالدماء والذي مزقته الطعنات التي وجهت إلى قيصر، ثارت عواطف المجتمعين ثوراناً لم يكن في وسع أحد أن يكبح جماحه، وعلا النحيب والعويل، وأخذ كل واحد يجمع الأحطاب اللازمة لإشعال النار التي ستحرق بها الجثة. وألقى الجنود القدامى أسلحتهم فوق كومة الأحطاب لتكون قرباناً يقربونها إلى قيصر، كما ألقى الممثلون ملابسهم والموسيقيون آلات عزفهم، كما ألقيت النساء أغلى ما يمتلكن من الحلي. وانتزع بعض المتحمسين مشاعل من النار وذهبوا بها ليحرقوا بيوت المتآمرين، ولكنهم وجدوا الحراسة شديدة على