هذه المباني، ووجدوا أن أصحابها قد فروا من رومه. وظلت طائفة كبيرة من الشعب بجوار الأحطاب المحترقة طوال الليل، ما لازمها اليهود ثلاثة أيام كاملة اعترافاً منهم بفضل قيصر وعطفه عليهم فيما أصدره من قوانين. ولم ينقطعوا طوال هذه الأيام الثلاثة عن ترديد أناشيدهم الجنازية. وظلت العاصمة في هذه الأيام الثلاثة تجتاحها الفتن والقلاقل حتى أمر أنطونيوس جنوده في آخر الأمر أن يعيدوا إليها النظام، وأن يلقوا بكل من لا يرتدع عن السلب والنهب من فوق صخرة تربيا Tarpeia.
وكان أنطونيوس نصف ما كان قيصر كما سيكون أغسطس نصفه الثاني؛ فقد كانت أنطونيوس قائداً عظيماً كما كان أغسطس حاكماً فذاً ممتازاً، ولكن الصفتين لم تجتمعا في واحد منهما. وقد ولد أنطونيوس في غالة ٨٢ ق. م، وقضى الشطر الأكبر من حياته في المعسكرات كما قضى أكثرها في معاقرة الخمر، ومجالس النساء، والاستمتاع بالمرح وشهي الطعام.
وكان رغم كرم محتده وبهاء طلعته يتصف بفضائل عامة الناس. وكان قوي الجسم، حيواني الروح، طيب القلب، كريماً، شجاعاً، وفياً. وقد أساء إلى سمعته وسمعة قيصر نفسه إذ احتفظ في داره برومه بطائفة كبيرة من النساء والغلمان، وبعشيقة يونانية في محمله كلما غادر رومه (١). وكان قد ابتاع منزل بمبي في المزاد العام وأقام فيه، ثم أبى أن يؤدي ثمنه (٢). وهاهو ذا يجد في أوراق قيصر- أو يسجل فيها على ما يقول بعضهم- كل ما يستفيد من وجوده- مناصب لأصدقائه، ومراسيم يصل بها إلى أغراضه، وخيراً كثيراً لنفسه، فلم يمض على مقتل قيصر أسبوعان حتى وفى بديون كانت عليه يبلغ مقدارها نحو ١. ٥٠٠. ٠٠٠ ريال أمريكي، وأصبح بعد عشية وضحاها رجلاً ثرياً. واستولى على الخمسة والعشرين مليون ريال التي كان قيصر قد أودعها في هيكل أبس Aps وعلى خمسة ملايين أخرى من أموال قيصر الخاصة. ولما رأى أن دسمس بروتس،