خلقه؛ استسلم للشهوات الجنسية استسلاماً أفقده احترام رعاياه لسلطته. فقد أحاط نفسه بالراقصات والموسيقيات والعشيقات، والمهرجين والصخابين، واتخذ له زوجات ومحظيات كلما لاحت له امرأة وأعجبته. وكان قد أرسل الرسل إلى كليوبطرة يدعوها للمثول بين يديه في طرسوس لتجيب عما اتهمت به من مساعدتها كاسيوس على جمع المال والجنود. وجاءت كليوبطرة، ولكنها جاءت في الوقت الذي اختارته وعلى الطريقة التي اختارتها. فبينما كان أنطونيوس جالساً على عرش في السوق العامة، ينتظر منها أن تحضر وتدفع عن نفسها ما اتهمت به، ثم يقضي لها أو عليها- ركبت هي نهر سندس Cyndus في قارب ذي أشرعة أرجوانية، وسكان مذهب، ومجاديف من فضة، تضرب الماء على أنغام الناي والمزمار والقيثار. وكانت وصيفاتها هن بحارة القارب، ولكن في زي حور البحار وربات الجمال. أما هي فقد تزينت بزي الزهرة (فينوس) ورقدت تحت سرادق من قماش موشي بالذهب.
ولما انتشر بين أهل طرسوس هذا المنظر الفتان أقبلوا على شاطئ النهر زرافات ووحداناً، وتركوا أنطونيوس وحده جالساً على عرشه. ودعته كيلوبطرة إلى العشاء معها في قاربها، فأقبل عليها ومعه حاشيته الرهيبة، فأولمت وليمة فاخرة، وقدمت لهم فيها أشهى الطعام والشراب، وأفسدت القواد بما قدمت لهم من الهدايا والابتسامات. وكان أنطونيوس قد أوشك أن يقع في حبها وهي لا تزال فتاة حين شاهدها في الإسكندرية، فلما أبصرها في تلك اللحظة وهي في التاسعة والعشرين من عمرها رآها قد اكتملت مفاتنها؛ وبدأ حديثه معها يلومها على ما فعلت؛ واختتمه بأن أهدى إليها فينيقيا، وسوريا الوسطى، وقبرص، وأجزاء من قليقية وبلاد العرب واليهود (١١). وكافأته هي بما يشتهي، ودعته إلى الإسكندرية، فأجاب الدعوة، وقضى في تلك المدينة شتاء بعيداً عن الهموم والأكدار (٤١ - ٤٠) يعب حب الملكة عبا، ويستمع إلى المحاضرات في