الذين فقدوا مركزهم الاقتصادي وخسروا اتزانهم الأخلاقي: من جنود ذاقوا طعم المغامرات وتعلموا فنون التقتيل؛ ومواطنين أبصروا بأعينهم مدخراتهم تلتهما الضرائب الفادحة وتضخم العملة وهما من مستلزمات الحروب، وكانوا ينتظرون أن يحدث حادث ما ينتشلهم من الوهلة التي تردوا فيها ويعيد إليهم الثراء والنعيم؛ ومن نساء ذهبت الحرية بعقولهنَ فكثر بينهن الطلاق والإجهاض والزنا؛ وانتشر العقم لضعف الرجولة وأخذت السفسطة الضحلة تفخر بنزعتها المتشائمة الساحرة.
على أن هذا الوصف لا يحمل إلى القارئ صورة كاملة لرومة في ذلك الوقت، بل يجب أن يضاف إليهِ وباء فتاك ينخر عظامها وتسري جراثيمه في دمائها فقد عادت القرصنة إلى البحار، وكانت تزداد بهجة وسروراً كلما تدهورت الولايات وأشرفت على الدمار. وسغبت المدن والولايات ولما توالى عليها من ابتزاز والنهب في أيام صلا، ولوكلس، وبمبي، وجابنياس، وقيصر، ووبروتس، وكاسيوس، وأنطونيوس، وأكتافيان. وحل الخراب ببلاد اليونان التي كانت ميداناً للقتال، ونُهبت أموال مصر وأرزاق أهلها، وأطعم الشرق الآدنى مائة جيش ورشا ألف قائد؛ وكان أهلهُ يبغضون رومة أشد البغض لأنها هي السيد الذي قضى على حريتهم دون أن يعوضهم عنها أمناً أو سلاماً، وكانوا يتطلعون إلى زعيم يقوم بينهم، فيكشف عما تعانيهِ إيطاليا من ضعف وخوف، ويجمع شتاتهم ويقودهم في حرب يتحررون بها من سيطرة رومة.
وكان في وسع مجلس الشيوخ القوي في يوم من الأيام أن يواجه هذه الأخطار، فيعبئ الفيالق الضخمة، ويجد لها القادة المهرة، ويمدهم بحنكتهِ وكفايته السياسية البعيدة النظر. أما الأن فلم يبقَ من مجلس الشيوخ إلا أسمهُ، فقد أنقرضت الأسر التي كان يستمد منها القوة، وقضى عليها النزاع الطويل أو العقيم، ولم تنتقل تقاليد الحكم التي كانت تمتاز بها هذه الأسر إلى رجال