الأعمال وإلى الجنود وأهل الولايات الذين خلفوها في المجلس الجديد. ومن أجل هذا فقد أسلم هذا المجلس معظم ما كان له من سلطان إلى رجلٍ في وسعه أن يرسم الخطط، ويتحمل التبعات، ويقود، وأسلمها إليهِ وهو شاكر ومغتبط.
وتردد أكتافيان طويلاً قبل إلغاء هذه الهيئة القديمة، ويصوره ديوكاسيوس Dio Cassius، وهو يبحث المسألة بحثاً مفصلاً مع ماسيناس وأجربا، فيقول أنهم كانوا يرون أن الحكومات كلها حكومات ألجركية، ولذلك فأن المشكلة المعروضة أمامهم لم تكن مشكلة الاختيار بين الملكية، والأرستقراطية، والديمقراطية؛ بل كان عليهم أن يقرروا: هل تضطرهم ظروف الزمان والمكان أن يفضلوا الألجركية في صورة الملكية المعتمدة على الجيش، أو في صورة الأرستقراطية المتأصلة في الوراثة، أو في صورة الديمقراطية التي تعتمد على ثروة رجال الأعمال؟ وقد وفق أكتافيان بينها كلها في "زعامة امتزجت فيها نظريات شيشرون وسابقات بمبي وسياسات قيصر".
وقبل الشعب هذا الحل قبول الفلاسفة؛ ذلك أنه لم يعد حريصاً على الحرية مولعاً بها، بل كان قد مل الفوضى وتاقت نفسه إلى الأمن والنظام، وكان يرضى أن يحكمه أي إنسان يضمن له الخبز والألعاب. وأدرك إدراكاً يكتنفه الغموض أن جمعياته السمجة التي يتغلغل فيها الفساد ويمزقها العنف، لا تصلح لحكم الإمبراطوية، ولا تستطيع إعادة الحياة إلى إيطاليا المريضة، بل أنها لا تستطيع أن تحكم مدينة رومة نفسها. هذا إلى أن الصعاب التي تكتنف الحرية تتضاعف كلما اتسعت رقعة الأراضي التي تعتنقها. فلما لم تعد رومة دولة لا تشمل أكثر من مدينة واحدة دفعها النظان الإمبراطوري دفعاً إلى أن تحذو حذو مصر وفارس ومقدونية. ولم يكن في وسعها أن تقاوم هذا الدفع الشديد، وكان لا بد أن تقوم على أنقاض الحرية، التي استحالت فردية وفوضى حكومة جديدة تضع للدولة المترامية الأطراف نظاماً جديداً. وكان عالم البحر الأبيض المتوسط كله عالماً