واعتدالهِ في نفقاته. وكانت الحكمة المحببة إليهِ هي قوله "بادر على مهل". وكان يفوق معظم أمثاله من ذوي السلطان العظيم في تقبل النصح واحتمال التأنيب بصدر واسع وتواضع عظيم.
وقد زوّده الفيلسوف أثندورس Athendorus عندما همّ بوداعة وهو عائد من عنده إلى أثينة بعد أن عاش معهُ سنين بنصيحة قال له فيها: "إذا غضبت فلا تقل كلمة أو تفعل شيئاً قبل أن تعدّ لنفسك الحروف الهجائيةالأربعة والعشرين".
وشكر أغسطس للفيلسوف تحذيره وتوسل إليهِ أن يبقى معه عاماً آخر وقال له:"لا خطر يتهدد الخير الذي يعود على الإنسان بفضل السكوت"(٣٦).
لقد قلنا من قبل إن مما يثير الدهشة أن يتحول قيصر من رجل سياسي صخاب إلى قائد سياسي محنك؛ ولكن أكثر من هذا إثارة للدهشة تحول أكتافيان القاسي القلب المنطوي على نفسه إلى أغسطس المتواضع الكبير العقل النبيل الطبع. ولقد حدث هذا التحول في خلال نموه. إن الشاب الذي أجاز لأنطونيوس أن يعلق رأس شيشرون في السوق العامة، والذي تنقّل من حزب إلى حزب دون أن يجد من ضميره تأنيباً على هذا التنقل، والذي أطلق العنان لشهواتهِ الجنسية، والذي طارد أنطونيوس وكليوبطرة إلى منيتهما دون أن تؤثر فيهِ صداقة أو شهامة-إن هذا الشاب العنيد الذي لا يحب أحداً لم يُسَمم عقله السلطان والجاه، بل أصبح في الأربعين سنة الأخيرة من حياته مضرب المثل في العدل والاعتدال، والإخلاص والنبل والتسامح، يضحك من سخرية الشعراء بهِ وهجوهم إياه، وينصح تيبيريوس أن يقنع بمنع أعمال العدوان أو محاكمة المعتدين، وألا يسعى لتكميم أفواههم، ولا يصر على أن يعيش غيره من الناس عيشة البساطة التي فرضها هو على نفسهِ. فكان إذا دعا إلى وليمة، انسحب منها في بدايتها لكي يترك لضيوفها الحرية التامة في الاستمتاع بالطعام والمرح. ولم يكن