مزهواً بنفسهِ وكان يستوقف الناخبين ليطلب إليهم أن يعطوه أصواتهم في الانتخاب، وينوب عن أصحابهِ من المحامين في القضايا. وكان إذا دخل رومة أو خرج منها يفعل ذلك في السر لأنه يبغض مظاهر الأبهة، وهو لا يظهر في نقش أراباسيز Ara Pacis مميزاً عن غيره من المواطنين بأية علامة من علامات الامتياز، وكانت استقبالاته الصباحية مباحة لجميع المواطنين، وكان يستقبلهم كلهم بالبشاشة والترحيب. ولما تردد أحد الناس في أن يعرض عليهِ ماتمساً، لامه مازحاً بقولهِ إنه يعرض عليهِ وثيقة "كأنه يقدم فَلساً لفيل (٣٧) ".
ولما بلغ سني الشيخوخة، وأحفظته الخيبة، واعتاد عظيم السلطة، بل اعتاد الألوهية، تبدلت حاله فخرج عن تسامحه، واضطهد أعداءه من الكتاب، وصادر التواريخ التي تسرف في الانتقاد، وأصم أذنهُ عن سماع أشعار أوفد التي يقول فيها إنه تاب وأناب، ويقال إنه أمر في يوم من الأيام أن تكسر ساقا ثالس Thallus أمين سره لأنه أخذ خمسمائة دينار ليبوح بما يحتويه أحد الخطابات الرسمية، وإنه أرغم أحد محرريهِ على الانتحار حين تبين له أنه زنى برومانية متزوجة. وقصارى القول أن الإنسان إذا نظر إلى أخلاقه في جملتها لم يكن من السهل عليهِ أن يحبه؛ وإن من واجبنا أن نتصور ما كان يعانيه من الضعف الجسم وما قاساه في شيخوختهِ من أحزان قبل أن تتفتح قلوبنا له كما تتفتح لقيصر المقتول أو لأنطونيوس المغلوب.