حياتها ومجدها، وقالوا إنه تاريخ عجيب حقاً، وإنه أشبه ما يكون بملحمة شعرية. ولم يثر دهشتهم أن يصوغ فرجيل وهوراس حمدهم ومجدهم وزهوهم شعراً، وأن يصوغه ليفي نثراً.
وخير من ذلك كلهُ أن الأقاليم التي فتحوها إلا القليل منها لم يكن يسكنها أقواهم همج غير متحضرين، فقد كان جزء كبير منها يشمل التي تثقفت بالثقافة اليونانية-فكانت ذات لغة رقيقة، وأدب سام، وعلم عظيم، وفلسفة ناضجة، وفن نبيل. وأخذت هذه الثروة الروحية وقتئذ تتدفق على رومة، وتثير في أهلها الرغبة في تقليدها ومنافستها، وتبعث في لغتها وآدابها الحياة والنماء، فسرت إلى المفردات اللاتينية عشرة آلاف كلمة يونانية، ودخلت الأسواق الرومانية عشرة آلاف تمثال ونقش وهيكل وشارع وبيت.
وأخذت الأموال تتنقل إلى الطبقات العليا، وإلى الشعراء والفنانين، من أيدي الذين استولوا على كنوز مصر، ومن ملاك الأراضي الإيطالية الغائبين عنها، ومن الذين يستغلون موارد الإمبراطورية وتجارتها. وشرع الكتاب يهدون مؤلفاتهم إلى الأغنياء يرجون بذلك أن ينالوا أعطية تعينهم على مواصلة أعمالهم الأدبية، فأهدى هوراس أغانيه إلى سالست، وإيليوس لاميا Aelius Lamia ومانليوس تركواتس Manilius Turquatus وموناتيوس Munatius، وجمع مسالا كورفينوس Massala Corvinus حولهُ طائفة من المؤلفين كان نجمهم للامع تيبلس Tibullus، واستعاد ماسناس ثروته وقيمة شِعرهِ بما قدمهُ من العطايا لفرجيل وهوراس وبروبيرتيوس Propertius؛ وظل أغسطس حتى سنيهِ الأخيرة التي استولى عليهِ فيها الاضطراب والغيظ يجزل العطاء للأدباء، فكان يسره أن تتحول إلى الآداب والفنون تلك القوى التي كانت سبباً في اضطراب السياسة، فكان يجزل العطاء للمؤلفين ليؤلفوا الكتب، إذا ما تركوه يحكم الدولة كما يشاء. وقد ذاعت أنباء سخائهِ على الشعراء فاجتمعت حوله طائفة كبيرة منهم تسير في ركابهِ أينما سار.