"لن أنكر قط أيتها الملكة أنك تستحقين مني ما تعجز الألفاظ عن التعبير عنه … إني لم أمسك قط مشعل الزوج ولم أقسم يمين الزواج … ولكن أبلو قد أمرني الآن بركوب البحر … فامتنعي إذن عن أن تهلكي نفسك وتهلكيني بهذه الشيكات. إني لا أسعى إلى إيطاليا بمحض إرادتي"(١٨).
"لا أسعى إلى إيطاليا بمحض إرادتي"، هذا هو سر القصة ومحورها الذي تدور عليهِ، ونحن الذين نحكم على فرجيل وبطله بعد ثمانية قرون من كتابة الأدب العاطفي وقراءته، نعلق على الحب الروائي، وعلى العلاقات بين غير الأزواج، وأكثر مما كان يعلقه عليها اليونان الرومان. فقد كان الزواج عند الأقدمين رابطة بين الأسر أكثر مما كان رابطة بين الأجسام والأرواح، وكانت مطلب الدين أو الوطن أسمى من حقوق الأفراد ونزواتهم. ويعطف فرجيل على ديدو ويسمو إلى ذروة البلاغة في فقرة من أجمل فقرات ملحمته حين يتحدث عنها وهي تلقي نفسها فوق كومة من الحطب المعد لحرق الموتى وتحرق نفسها حية؛ ثم يسير في ركاب إنياس إلى إيطاليا.
وينزل القرطاجنيون إلى البر عند كومي ثم يسيرون إلى لاتيوم حيث يستقبلهم ملكها لاتنس ويرحب بهم. وكانت ابنته لا فينيا Lavinia مخطوبة لترنس Turnus وهو شاب وسيم وزعيم الروتوليين المجاورين لهذه المدينة؛ ويوقع إنياس الجفوة بينها هي وأبيها وبين خطيبها؛ ويعلن ترتس الحرب عليهِ وعلى لاتيوم، وتنشب معارك حامية الوطيس. وتعتزم سيبيل الكومائية Cumaean Sibyl أن تقوي إنياس وتشجعه، فتأخذه إلى ترتاروس بطريق بحيرة إيرنس Aernus. وكما أن فرجيل قد كتب ملحمة عن تجوال إنياس على نمط أوذيسية هومروس وأخرى قصيرة عن حروبه شبيهة بالإلياذة، فإنه الآن يستوحي رحلة أوديسيوس في الجحيم، ويصبح هو نفسه مثلاً يحتذيهِ دانتي ويهتدي بهديهِ في ملهاته المقدسة. وفي هذا يقول فرجيل: "ما أسهل النزول إلى الجحيم Facilis Descensus