Averni " ولكن بطله يجد الطريق إليها وعراً شديد العذاب، كما يجد العالم السفلي معقداً شديد الاختلاط. وفي هذا العالم يلتقي بديدو، فتشيج بوجهها عما عما يبثه من وجدهِ؛ ويشهد ضروب العذاب التي يعاقب بها من ارتكبوا الذنوب على وجه الأرض، والسجن الذي يُعذب فيهِ أنصاف الآلهة (١) المتمردون كما يُعذب الشيطان. ثم تأخذه سيبيل إلى أيك السعداء حيث ينعم الصالحون في الأودية الخضراء بالنعيم السرمدي. وهنا يشرح له والده أنكيسيز، الذي توفي في الطريق، أسرار الجنة، والمطهر والجحيم، ويصور له في أوضح صورة وأشملها مجد رومة وأبطالها في مستقبل الأيام. وتكشف له الزهرة في رؤيا أخرى عن موقعة أكتيوم وانتصارات أغسطس، وبعد أن تنتعش روح إنياس بهذه المناظر يعود إلى عالم الأحياء، ويقتل ترنس، وينشر الموت من حوله ببطشهِ وشدة بأسه. ويتزوج بلفينيا الخيالية، ثم يموت والدها فيرث عرش لاتيوم، ولا يلبث أن يخر صريعاً في إحدى المعارك، وينتقل إلى جنان الفردوس، ويشيد ابنه أسكانيوس Ascanins ألبالنجا لتكون عاصمة جديدة للقبائل اللاتينية، ومنها يخرج من نسلهِ رميولرس وريموس ليشيدا مدينة رومة.
ويبدو أن من سوء الأدب أن ينتقد الإنسان نفساً كريمة رفيعة كنفس فرجيل لما تغمر بهِ بلدها وإمبراطورها من ثناء وتعظيم، أو أن ينقب الإنسان عن عيوب في ملاحم لعله لم يرغب قط في كتابتها، ولم يعش ليتمها. ولا حاجة إلى القول بأنه كتبها على نمط الملاحم اليونانية، وتلك هي السنة جرى عليها الأدب الروماني كلهُ إذا استثنينا منه الهجاء والمقالة. غير أننا نستبيح لأنفسنا هذا القدر من النقد، وهو أن مناظر المعارك الحربية ليست إلا أصداء ضعيفة لما في مناوشات الإلياذة من قعقعة وضجيج، وأن أورورا Aurora
(١) أي من كان في طبائعهم شيء من الألوهية وحاصة أولئك الأبطال الذين تصفهم الأساطير بأنهم تناسلوا من زواج الآلهة بالآدميين. (المترجم)