للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فمصير رومة هو المحرك لحبكة القصة، وكل ما في القصة من محن وشدائد إنما يرجع إلى "الواجب المضني واجب بعث الشعب الروماني Tantae Molis Erat Romanam Condere Gentem". والشاعر فخور بالإمبراطورية فخراً يمنعه أن يحسد اليونان على تفوقهم في الثقافة ويقول في ذلك: فلتحول الشعوب الأخرى الرخام والبرونز إلى شخوص حية ولترسم مسارات النجوم.

"أما أنت يا أبن رومة، فواجبك أن تحكم العالم، وستكون فنونك أن تعلم الناس طرائق السلم، وأن تشفق على الذليل، وتذل الفخور (٢٠) ". وفرجيل لا يأسف على موت الجمهورية، وهو يدرك أن حرب الطبقات هي التي قضت عليها ولم يقضِ عليها قيصر؛ وهو في كل جزء من اجزاء قصيدتهِ يبشر بأن حكم أغسطس سيعيدها سيرنها الأولى، ويرحب بهِ ويصفه بأنه حكم زحل قد عاد إلى الأرض، ويعده بأنه سيُجزي على عملهِ بأن يُحشر في زمرة الأرباب. وقصارى القول أن أحداً من الناس لم يوف بما ألقي على كاهلهِ من واجب أدبي بأكمل مما وفى بهِ فرجيل.

يبقى بعد ذلك أن نسأل لم نحتفظ بحبنا الشديد لهذه الدعاوة للتقى وصالح الأخلاق، وحب الوطن، والنعرة الإمبراطورية؟ إن من أسباب هذا الحب ما نجده في كل صفحة من ورقة روح الشاعر وظرفه، وأنا نشعر بأن عطفهِ قد امتد من إيطاليا بلادهِ الجميلة إلى جميع بني الإنسان، بل إلى جميع الكائنات الحية؛ فهو يدرك آلام الطبقات العليا والدنيا، ويعرف أهوال الحرب وما يصاحبها من فحش ورذيلة، ولا ينسى أن أنبل الناس أقصرهم آجلاً، وأن ما في الحياة من أحزان وآلام، وما في "الأشياء من دموع Lacrimae Rurum" تذهب ببهجة الأيام تارة وتزيدها تارة أخرى. وهو حين يكتب عن "العندليب الذي يبكي في ظلال شجرة الحور صغارها الحراث فانتزعها من عشها قبل أن يكسوها الريش، فيقضي الليل كلهُ ينتحب، ثم يجثم على فنن ويعيد أغنيته الحزينة،