وكان خيراً له أن يعمل بهذهِ النصيحة إلى حين. وكان كتابه الثاني المسمىردود الغناء Epodes (٢٩ ق. م) أقل كتبه شأناً. فأشعاره خشنة مؤذية للسمع خالية من الشهامة، بعيدة عن الذوق، بذيئة في الأمور الجنسية، كل ما يستطيع الإنسان أن يقوله في وصفها إنها تجربة في الأوزان الشعرية ذات المقاطع المتعاقبة منبورة، وهي المقاطع التي سار عليها أركلوكس Archilodhus. ولعل اشمئزازه من "دخان رومة ومالها وضجيجها"(٣٦) قد زاد حتى أمَرَّ نفسه؛ ولعله لم يطق صبراً على الضغط "السوقة الجهال ذوي التفكير الخبيث". وهو يصور نفسه متدفقاً ومدفوعاً بين أراذل العاصمة، وينادي قائلاً:"أيها البيت الريفي! متى أراك؟ متى أستطيع وأنا بين كتب الأقدمين تارة، وأستمتع بالنوم والفراغ تارة أخرى، أن أجزع النسيان الحلو لمتاعب الحياة؟ متى يقدم لي صحاف الفول إخوان فيثاغورس نفسه، ومعها الخضر المخلوطة باللحم السمين؟ آه، أيتها الليالي والملائم القدسية! "(٣٧) ثم قصرت فترات إقامته في رومة؛ وصار يقضي كثيراً من وقته في بيته السبيني الريفي حتى شكا أصدقاؤه ماسيناس نفسه بأنه "اقتطعهما من حياتهِ". ولكن الحقيقة أنه بعد أن عانى حر المدينة وعثيرها وجد في الهواء النقي والعمل التيب الهادئ، والعمال السذج في ضيعتهِ، بهجة تطهره من أدران المدن. هذا إلى أنه كان وقتئذ ضعيف الجسم، وأنه كان يعيش على الأكثر، كما يعيش أغسطس، على الخضر وحدها. وفي ذلك يقول: إن فيما أمتلكه من مجرى الماء النقي وأفدنة قليلة من الأشجار، ووثوقي من أني سأجني محصولاً من الحب، إن في هذا لسعادة دونها سعادة سيد أفريقية الخصبة ونعيمها البراق" (٣٩). وإن حب الريف ليجد في غيرهِ من شعراء عهد أغسطس من يعبر عنه تعبيراً حماسياً نادر الوجدود في أدب اليونان.