للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

معقدة تعقيداً يتطلب حلها الجهد الكثير. ولم يكن يكتب هذه الأشعار لذوي العقول الساذجة التي تريد أن تمر بها مراً سريعاً دون أن تبذل في إدراكها أي مجهود؛ والحق أنه قد حذر أمثال هؤلاء من مستهل المجموعة الثالثة من الإقدام على قراءتها فقال:

"إني أبغض السوقة النجسين وأتجنبهم. صه! أنا، كان ربات الشعر، أغني للعذارى والشباب أغاني لم يسمعها أحد من قبل".

ولو أن العذارى قد عنين بشق طريقهن وسط أقوال هوراس ورغباتهِ المقلوبة لارتعن وسررن مما في أغانيهِ من أبيقورية مهذبة مصقولة. فالشاعر يصور مسرات الصداقة، والطعام والشراب، والمغازلة، وإن المرء ليصعب عليهِ أن يستدل من هذه الترانيم على أن كاتبها رجل زاهد لا يأكل إلا قليلاً ولا يشرب إلا أقل. ثم يسأل الشاعر نفسه (قبل أن يسألها قارئ هذه الصفحات): "لم نشغل أنفسنا بالسياسة الرومانية وبالحروب في الأقاليم النائية؟ ولم نعني هذه العناية كلها بتدبير أمور المستقبل الذي يسخر من تدبيرنا (١). إن الشباب والجمال يمساننا مساً ويمران بنا مراً سريعاً فلنستمتع بهما الآن، " مضطجعين إلى شجرة الصنوبر، وغدائرنا الشمطاء متوجة بالأزهار ومعطرة بالناردين السوري (٤٢) ". وبينما نحن نتحدث هذا الحديث يمر الوقت الحسود وينقضي، فلنغتنم الفرص "ولنختطف الأيام Carpe Diem (٤٣) ". ويتلو الشاعر أسماء طائفة من النساء الخليعات اللاتي يقول إنه أحبهن: لالاج، جلسيرا، تئيرا، إيانشا، رستارا، كنديا، ليسي، بيرها، ليديا، تندراس، كلو، فيلس، مرتال. ولا حاجة بنا أن نصدق كل ما يدعيهِ من ذنوب يقول إنه ارتكبها، فقد كانت هذه الأقوال وقتئذ دعاوى أدبية يكاد يفرضها شعراء تلك الأيام على أنفسهم فرضاً؛ وشاعد ذلك أنا نجد أولئك السيدات أنفسهن في خدمة


(١) "وتقدرون فتضحك الأقدار". (المترجم)