كتاباتك هذه المراحل كلها، فأخفها ثماني سنين؛ فإذا لم تجد بعدئذ إنك قد أفدت من نسيانها فانشرها، ولكن اذكر على الدوام أنها لن يعيده إلى الزمن وحده. وإذا كتبت مسرحيات فلتجعل الأعمال لا الأقوال هي التي تقص القصة، وتصور الأشخاص. ولا تمثل الرعب على المسرح، وإلزام وحدة الأعمال والزمان والمكان، واجعل القصة قصة واحدة، تقع حوادثها في زمن قصير وفي مكان واحد. وادرس الحياة والفلسفة، لأن الأسلوب مهما بلغ لا قيمة له من غير الملاحظة والفهم. كن جريئاً في المعرفة". وعمل هوراس نفسه بكل هذه القواعد إلا قاعدة واحدة-فهو لم يتعلم البكاء؛ ذلك أنه لم يكن قوي الشعور، أو أن شعوره قد اختنق فصمت، ولذلك لم يسم قط إلى ذلك الفن الأعلى الذي يجسم الإخلاص في العطف أو "العواطف التي يذكرها أصحابها بهدوء". يضاف إلى هذا أنه كان مسرفاً في تمجيد المدن. ولقد كان قوله: " Nil admirari لا تعجب بشيء قط (٥٠)" نصيحة غير قويمة، لأن الشاعر الحق يجب أن يعجب بكل شيء حتى لو كان كشروق الشمس أو منظر الشجر يحييه كل يوم. وكان هوراس يلاحظ الحياة ويراقبها، ولكنه لم يتعمق في هذه المراقبة، وقد درس الفلسفة واحتفظ على الدوام "باعتدال عقلهِ" ولذلك لم يسم شيء من أغانيهِ فوق المرتبة الوسطى (٥٢). وكان يعظم الفضيلة تعظيم الرواقيين، ويحترم اللذة احترامالأبيقوريين، فيسأل نفسه "أي الناس هو الحر إذن؟ " ثم يجيب كما يجيب زينون: "هو الرجل الحكيم، سيد نفسه، الذي لا يرهب الفقر ولا الموت ولا الأغلال، والذي يتحدى شهواته ويزدري بالمطامع والذ هو كلٌ في نفسهِ (٥٣)". ومن أنبل قصائده قصيدة تُضرب على نغمة رواقية وتقول:
"إذا كان الرجل عادلاً حازماً فقد تتصدع الدنيا كلها من حوله وتتساقط فوق رأسهِ، وتجده تحت حطامها غير هياب ولا وجل (٥٤)". ولكن هوراس رغم هذا كله يلقب نفسه بأمانة جذابة: "خنزيراً من حظيرة أبيقور (٥٥) ".