للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن يجعل هذه القصيدة ملحمة موضوعها من التقويم الروماني، لأنه استخدم في رواية قصص الدين القويم وفي تكريم هياكله وآلهته ما استخدمه في الأساطير اليونانية والغزَل الروماني من أسلوب سهل واضح وعبارات وجُمل رقيقة. وكان يرجو أن يهدي القصيدة إلى أغسطس ليشترك بها في إعادة الدين القويم إلى سابق عهدهِ، ولتكون بمثابة اعتذار منه عن سخريته بهذا الدين، وإنكار لما فرط منه في حقهِ.

ولم يتبين الإمبراطور من قراره أسباب نفيه، وليس في مقدور أحد أن يعرففي هذه الأيام حقيقة هذه الأسباب. على أن ثمة إشارة بعيدة من الإمبراطور لأسباب هذا النفي، فقد نفى في الوقت نفسه حفيدته يوليا وأمر بإخراج كتب أوفد من دور الكتب العامة. ويلوح أن الشاعر كان له بعض الشأن في مسلك يوليا الشائن، سواء كان حظه فيهِ حظ الشاهد، أو المشارك، أوالفاعل الأصلي. أما هو نفسه فيقول إنه عوقب بسبب "خطأ" وقع فيه وبسبب قصائده، ويذكر ما يوحي بأنه شهد على الرغم منه منظراً غير لائق (٩٣). وأجيز له أن يبقى في أثناء الشهور الباقية من عام ٨ م ينظم فيها شؤونه. وكان القرار مجرد إبعاد، أخف من النفي، يسمح له بأن يحتفظ بأملاكهِ، ولكنه أقسى منه إذ يلزمه بالإقامة في مدينة واحدة. فلم يكن منه إلا أن أحرق كتاب التحويل، وإن يكن بعض القراء قد نقلوا صوراً منه واحتفظوا بها لأنفسهم. وابتعد عنه معظم أصدقائه (٩٤) وعرض بعضهم أنفسهم لأشد الأخطار ببقائهم معه إلى ساعة رحيله؛ وشجعته زوجته وأعانته على تحمل محنته بما أظهرت له من الحب والإخلاص، وإن لم تسافر معه إطاعة لأمره. وإذا استثنينا هذه المظاهر القليلة فإن رومة بأسرها لم تظهر شيئاً من الاهتمام بشاعر أفراحها ومسراتها حين أبحر من أستيا ليبدأ سفره الطويل وابتعاده عن كل شيء يحبه. وكان البحر هائجاً طوال أيام الرحلة تقريباً،