وإذا شئنا أن نفهمه على حقيقته وجب علينا أن نذكر أنه من آل كلوديوس وأنه كان أول الفرع الكلودي من الأسرة اليوليوسية الكلودية التي كان آخرها نيرون. وقد ورث عن أبويه أنبل دم في إيطاليا، وأضيق أهلها أفقاً، وأقواهم إرادة. وكان طويل القامة شديد البأس، حلو الملامح، ولكن حب الشباب ضاعف من حيائه، وسماجة طباعه، وإحجامه وحبه للعزلة (٢). ويمثل رأسه الجميل المحفوظ في متحف بسطن في صورة قس شاب عريض الجبهة، واسع العينين غائرهما، ذي وجه يدل على الحزن وعميق التفكير، وقد بلغ من جده ووقاره في شبابه أن أطلق عليه بعض المجان اسم "الرجل العجوز". وقد أخذ من التربية كل ما يستطيع أن يأخذه عن الرومان واليونان والبيئة والتبعة، وأتقن اللغتين اليونانية والرومانية وآدابهما، وكتب الأغاني الشعرية، ودرس التنجيم و "غفل عن الآلهة"(٣). وكان يحب أخاه الأصغر دروسس رغم أنه كان أحب منه إلى الشعب؛ وكان زوجاً مخلصاً وفياً لفسبانيا Vipsania مكرماً لأصدقائه إكراماً لم يكون يترددون معه في أن يهدوا إليه الهدايا وينتظروا منه أن يهدي إليهم أربعة أمثالها. وكان أقسى قواد زمانه وأقدرهم، فنال بذلك إعجاب جنوده وتعلقهم به، لأنه كان يعني بكل شؤونهم مهما صغرت، ولأن كان يكسب المعارك بفنه أكثر مما يكسبها من دماء جنده.
ولكن فضائله هي التي قضت عليه، فقد كان يصدق القصص التي تروى عن أعمال أسلافه، وكان يتوق إلى صرامة الرومان الأقدمين تعود إلى المدنية الجديدة، وارتاح إلى إصلاحات أغسطس الأخلاقية، ولم يخف قط عزمه على تنفيذها طوعاً أو كرهاً. ولك يكن يحب ذلك الخليط من الأجناس الذي كان يغلي في بوتقة رومة، فقدم إليهم الخبز ولكنه لم يقدم إليهم الألعاب، وأغضبهم بامتناعه عن حضور ما كان يقدمه إليهم منها أثرياء المدينة. وكان قوي الاعتقاد بأن رومة لا ينجيها مما تردت فيه من الانحطاط إلا طبقة