من الأشراف الصلاب ذوي الخلق القويم والذوق الجميل. ولكن الأشراف والعامة على السواء لم يطيقوا صلابة عوده، وصرامة وجهه، وصمته الطويل، وحديثه البطيء، وما يبدو عليه من علم بتفوقه، وفوق هذا كله اقتصاده الشديد في أموال الدولة. فهو والحالة هذه رواقي ولد خطأ في عصر أبيقوري. وقد حالت أمانته الصارمة بينه وبين تعلم فن سنكا، فن الدعوة إلى عقيدة بلغة مزينة جميلة، وإتباع عقيدة أخرى والمثابرة عليها بتجمل وكياسة.
وظهر تيبيريوس أما مجلس الشيوخ بعد أربعة أسابيع من وفاة أغسطس، وطلب إليه أن يقرر إعادة الجمهورية، وقال للأعضاء إنه لا يصلح لحكم تلك الدولة المترامية الأطراف، "وإن خير طريقة لإدارة أعمال المصالح المختلفة التي تشرف على الشؤون العامة في مدينة احتوت هذا العدد الجم من الرجال النابهين ذوي الأخلاق العالية … أن يتولاها جماعة مؤتلفون من خير المواطنية وأعظمهم كفاية"(٤). ولم يجرؤ أعضاء المجلس على أن يصدقوا ما يقوله لهم، فحيوه كما حياهم بطأطأة رؤوسهم، وما زالوا به حتى قبل أن يتولى السلطة التي قال عنها "إنها استرقاق مبهظ مذل" على أمل أن يسمح له المجلس في يوم من الأيام أن يعتزلها ليحيا حياته الخاصة متمتعاً بالحرية (٥). وهكذا مثلت الرواية من كلا الجانبين أحسن تمثيل. وما من شك في أن تيبيريوس كان يريد أن يتولى الزعامة وإلا لوجد سبيلاً إلى الفرار منها، وأن مجلس الشيوخ كان يخشاه ويبغضه، ولكنه كانت ترهب عودة جمهورية تقوم، كما كانت تقوم الجمهورية القديمة، على جمعيات تعد من الوجهة النظرية مصدر السلطات جميعها، وكان يرغب في نظام أقل دمقراطية من هذا النظام السالف الذكر لا أكثر منه. ولشد ما ابتهج حين أقنعه تيبيريوس (١٤ م) أن يأخذ من الجمعية المئوية حق اختيار الموظفين العموميين. وشكا المواطنون من هذا الانقلاب بعض الوقت وكان سبب شكواهم أنهم خسروا الأموال التي كانت تبتاع بها أصواتهم، وأضحى كل ما بقي بعدئذ من السلطة لعامة الناس هو سلطة